لا داعي للارتباك

في توقعات الرصد الجوي، هناك ما يشير إلى عاصفة ثلجية أواخر الأسبوع الحالي، ربما تبدأ مفاعيلها يوم الأربعاء المقبل. وما يدعو للكتابة هنا، أننا لسنا بحاجة إلى فوضى في العرض والطلب على أسس الارتباك والارتجال والانفعال، وبما ينتج واقعا تجاريا واقتصاديا لا يعود بالنفع على أحد.
قبل نحو شهر، كان الأردن، ودول بلاد الشام الأخرى، على موعد مع عاصفة ثلجية كبيرة. وتسبب التدرج في سقوط الثلوج في إغلاقات لأكثر من يوم، تبع ذلك تعطيل للعمل والدراسة. وكل ذلك كان مقبولا وطبيعيا. لكن الذي لم يكن مقبولا ولا طبيعيا، هو الأيام التي سبقت هذه العاصفة، إذ عصف الشراء المحموم بكل ما في الأسواق من مواد تموينية، ولم يتمكن التجار من تأمين سلع تضاعف الطلب عليها بأكثر من عشر مرات.
من يستطيع تبرير وصول الطلب على الخبز، لمدة يومين قبيل العاصفة السابقة، إلى 25 مليون رغيف خبز؟ علما أن مادة الخبز لا تصلح للتخزين طويل المدى، كما أن المخابز بقيت تعمل طيلة أيام العاصفة. إلا أن هوس الشراء سيطر على المستهلكين، وتحول كل ذلك إلى فوضى في الطلب أثرت على الأسواق سلبا، وتسببت في خلق صورة تجارية أضرت بشكل المجتمع وقدرته على التكيف والتعامل مع الظروف الاستثنائية. وكذلك تضاعف الطلب على أسطوانات الغاز خمس مرات؛ فمن معدل يحوم حول 200 ألف أسطوانة، قفز الرقم إلى نحو مليون أسطوانة. هكذا، اختلت كل معايير السوق تحت عنوان الفوضى التي أحدثتها مخاوف المواطنين من طول أمد العاصفة وأثرها.
الدرس الذي تعرضنا له مطلع الشهر الماضي كان قاسيا. فالأضرار التجارية لحقت بمنسوب الطلب والعرض، ومخزون المستودعات، وحتى الأسعار التي شهدت ارتفاعا غير مبرر استند إلى طلب غير مبرر. وقد تحمل المستهلكون أسعارا مرتفعة لسلع عادية، حتى إن أحدهم اشترى 3 كيلوغرامات من الخبز بسعر 10 دنانير ليتجنب طابورا طويلا لا قدرة له على الوقوف فيه والانتظار. وإذا ما علمنا أن 90 % من غذائنا مستورد، فإن هوس الطلب في بضعة أيام سيتسبب في اختلال مباشر في شحنات الاستيراد؛ إذ تتم مثل هذه المستوردات ضمن فترات منتظمة.
سواء أتت العاصفة الثلجية هذا الأسبوع أم لم تأت، فإن المأمول هو انضباط الطلب، وأن لا يستنزف المشهد التجاري في البلاد لصالح أوهام أو إشاعات أو تصرفات فردية، سرعان ما أصبحت جماعية وشملت أغلبية المستهلكين أوائل هذا العام. فحجم إنفاق الأردنيين في العاصفة الأخيرة كبير، وفيه كثير من المبالغات، حتى إن واجهات المنافذ التجارية الكبرى في عمان أفرغت من سلعها ومحتوياتها!
السلوك العقلاني للمستهلكين مطلوب في كل الأوقات. ومع التغيرات التي تطرأ على الأحوال الجوية، وتتطلب احتياجات جديدة للمستهلك، يجب أن يتعامل الجمهور مع تلك الاحتياجات بشكل لا مبالغة فيه ولا اختلال. فلقد راعني ما رأيته من أحد المستهلكين في محل تجاري كبير، إذ اشترى 40 "علبة" جبنة، وأقل منها من اللبنة، وهكذا!
دعونا نتعامل مع العاصفة المقبلة بروح مسؤولة وعقلانية افتقدناها في عواصف ثلجية سابقة.
(الغد 2015-02-07)