الوطن محلق.. والحكومة مكهربة

من دون مجاملة، ولا تصيد لاداء الحكومة، فقد جانبها الصواب في الايام الماضية، ولم ترتق للعنفوان الوطني الذي تجسد بوضوح بعد استشهاد الطيار البطل معاذ الكساسبة، وقدم صورة ناصعة للتلاحم والتراص ووحدة المصير، سوف تؤرخ في سجل الاردنيين عبر العصور المقبلة.
قبل استشهاد الكساسبة وقعت الحكومة في خطأ تاريخي، عندما قررت اعادة السفير الاردني الى تل ابيب، واختارت توقيتا غير مناسب، لا يخدم في جوهره سوى رئيس الوزراء الاسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو، الذي يترنح في الانتخابات، وقد جاءت الخطوة وكأنها طوق نجاة لاكبر زعيم عصابة في العالم.
والخطأ الآخر، وفي عز العطاء الشعبي، وبدلا من ان تلتقط الحكومة المزاج الاردني العالي، وترتفع في خطابها الى تعزيز روح التضامن والتراص، باطلاق تأكيدات بان مسيرة الاصلاح الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، سوف تتسارع بوتيرة يستحقها هذا الشعب الطيب الملتزم المنتمي، الذي تظهر جواهر معدنه عند الشدائد، يهبط الخطاب الحكومي الى مطاردة سارقي الكهرباء، والاستعدادات للمنخفض الجوي المقبل.
كان المزاج الشعبي، عض على التحديات المعيشية والاقتصادية التي يعيشها المواطن الغلبان، وارتقى الى لغة الدفاع عن الوطن ومساندة القوات المسلحة بالروح، وكان ينتظر تطمينات ورسائل ايجابية تشد من عضده وتبث في روحه مساحات من الامل بالمستقبل.
لا يستحق المواطن الاردني الذي يستمع الى تهديدات عصابة داعش بانها سوف تقوم بخطف اردنيين، وان عمّان اصبحت من الساحات المستهدفة، ويتابع بكل حواسه طلعات الطائرات الاردنية في سماء الرقة والموصل، ان يصدمه الخطاب الرسمي ويتحدث عن معاقبة سارقي الكهرباء، والمنخفض المقبل، والاسباب الموجبة لمشروع قانون الدواء والصيدلة.
كان المواطن الاردني ينتظر قرارا من الحكومة تتراجع فيه عن قرارها رفع اسعار الكهرباء، وذلك احتراما للموقف الوطني الكبير، الذي راهنت وسائل اعلام ودول غربية على ان تعمّه الفوضى بعد استشهاد الكساسبة، واذ بالشعب يقدم أنموذجًا بالعطاء والتضحية والفداء.
كان ينتظر خطابا يكرس بالفعل لا بالقول فقط، ان مسيرة الاصلاح والتحديث مستمرة، ولن تعطلها او تؤخرها أي منعطفات تمر بها البلاد والمنطقة، لأن مواجهة التحديات لا تتأتى إلّا بمزيد من الاصلاحات والقوانين العصرية والتقدمية التي تعكس ثقافة وحضارة الانسان الاردني.
لم تنته الفرصة بعد، وتستطيع الحكومة ان تلتقط الآن اللحظة التاريخية التي يمر بها الاردنيون، وتعلن على الملأ، اننا في مرحلة جديدة سوف تنعكس على حياة الاردنيين، ولن نفسح المجال من الآن وصاعدا لقوى الشد العكسي بتعطيل عجلة الاصلاح، وسوف نطور خطابنا الرسمي، السياسي والديني، ليتناسب مع مواقف شعبنا، وطموحاته بمســــــتقبل آمن ومستقر، ومتصالح مع ذاته.
(العرب اليوم 2015-02-09)