قصة يمنية.. وعربية

على امتداد عقد، لا يبدو أن ثمة شيء تغير في اليمن، رغم تعاقب ثلاثة رؤساء منذ الإطاحة بعلي عبدالله صالح، واستبداله بنائبه عبدربه منصور هادي، وصولاً إلى حاكم الأمر الواقع الآن محمد علي الحوثي. إذ يظل أساس كل ما يجري في هذا البلد هو الاستمرار في خوض "الحرب على الإرهاب"، إنما مع تبدل مواقع "الإرهابيين" و"الوطنيين"!
فحين بدأ علي عبدالله صالح حروبه مع الحوثيين، في العام 2004، كانت لديه الذريعة المثالية المسماة "مكافحة الإرهاب والإرهابيين"، والتي صارت، منذ هجمات تنظيم "القاعدة" الإرهابي على نيويورك وواشنطن العاصمة في العام 2001، شماعة كل المستبدين والسلطويين في العالم العربي لضرب المعارضين كافة؛ حتى وإن كانوا علمانيين، بل وحتى شيعة (زيديين) كما هي حال الحوثيين.
اليوم، وبعد قرابة عقد من بدء تلك الحرب، لا يتغير الكثير باستثناء تولي الحوثيين زمام القيادة، وبالتحالف مؤقتاً مع صالح نفسه، لإتمام المسيرة ذاتها؛ أي مكافحة الإرهاب والإرهابيين، إنما بعد أن يصبح الاسم الجديد لهذه الذريعة هو "محاربة التكفيريين"، والتي باتت بمثابة العلامة الفارقة لكل المليشيات التي تدعمها إيران، وتبرر بها هيمنتها في العالم العربي، كما تبرر انحراف البوصلة مائة وثمانين درجة عن الذريعة السابقة المتمثلة في مقاومة الصهيونية وإسرائيل والشيطان الأكبر؛ أميركا، لا لدى مليشياتها الجديدة فحسب، بل وحتى القديمة منها كما هي حال حزب الله الذي أعلن الهدنة مع إسرائيل، لأجل التفرغ للإجهاز على السوريين.
وتماماً كما كان الإرهابيون قبل "الربيع العربي" هم كل المعارضين، يشمل التكفيريون الآن كل الرافضين للهيمنة الإيرانية وواجهاتها من المستبدين، وليس اليمن إلا النموذج الثالث والمتأخر هنا، بعد استخدام الذريعة ذاتها في عراق المالكي خصوصاً، ثم سورية الأسد، للإجهاز على المخالفين المناوئين حتى وإن كانوا سلميين في التعبير عن مطالبهم.
بالنتيجة، يكون حصاد عقد بين العامين 2004 و2015، هو تحول الشعب اليمني كله -بالجمع بين رؤى ومواقف الفرق المتصارعة- إلى شعب خالص من الإرهابيين؛ حوثيين وسُنة وسواهما، مطالبين بالتغيير أم محافظين، إسلاميين أم علمانيين! ولأنه ليس ثمة من بديل طبعاً سوى استئصال الإرهابيين، فلا يبقى من حل سوى استئصال الوطن ذاته، كنتيجة بدهية لعملية التطهير المتبادل!
عند هذا الحد، هل يبقى من خصوصية للحالة اليمنية؟ أبداً، فالمسيرة السابقة تكاد تتطابق مع حالات أخرى كثيرة، لاسيما سورية وعراق المالكي. لكن يظل يُحسب للحالة اليمنية أنها تمثل النموذج الأوضح الذي تجسد بطيئاً أمام أعيننا جميعاً، مؤكداً مآلات الاستبداد، والذي هو المؤامرة الوحيدة فعلاً في أسوأ الاحتمالات، أو هو في أفضلها "أم كل المؤامرات" على الدولة العربية والجيوش الوطنية، وبالتالي على المواطنة وما تعنيه وتستتبعه، من حرية وكرامة وازدهار، يقابلها تلقائياً ولاء وانتماء.
فصالح الذي استنزف مقدرات اليمن في حروبه مع "الإرهابيين" الحوثيين، عاد لأجل عرشه وتوريثه لابنه ليتحالف مع "الوطنيين" الحوثيين في مواجهة "التكفيريين" الذي هم كل من أطاحوا به. وهو ربما لا ينجح في ذلك، لكنه يضمن على الأقل الوصول إلى النتيجة ذاتها التي تحققت في سورية، حيث السياسة المتبعة هي "الأسد أو نحرق البلد"، وهو ما كان فعلاً.
(الغد 2015-02-09)