موس وخيط وكالونيا
الجلسة في صالون حلاق الرجال في حارتنا مفعمة بالحواديت ومليئة بالزبائن الذين يشغرون كل كراسي الصالون المكتظ بهم وبسوالفهم واندماجهم.
طبعاً الحلَّاق الذي يمارس الحلاقة للزبون الجالس على الكرسي يوزع نظراته بين الجالسين من زبائنه على كراسي الانتظار ناشراً عديد اخباره التي لا يعرفها إلا هو ..وهو فقط ... وبين عودة اهتمامه بلحية الزبون على الكرسي قاطعاً كلامه الجاذب للاهتمام للسامعين حيث وبعد تهذيب اللحية وتحديد جوانبها بآخر استخدام للموس يطلب من زبونه بأن يضم شلاطيفه ليحدد جوانب الشوارب قائلاً له : (قول بثمك هيك ) .. فيقلص الزبون من امتداد بوزه حتى يتم التزبيط النهائي للشوارب وبعدها يعاود الحلاق حديثه عن آخر اخبار الحارة ...فمن هوشة ام طلال مع جوزها وضياع الاولاد بين دور جدودهم ثم كلامه عن حديث الحارة الساخن حول جارتهم العروس الجديدة اللي مسكوا عندها الموسرجي صاحبها القديم وكيف انتشرت الفضيحة وانه اللي مسكهم بالصدفة موزع الغاز وهو مارق بالدخلة , ثم تحليله لسبب هوشة اولاد الحارة اول مبارح وكيف كسروا بعض وطبشوا وجوه حالهم وكيف وصلت للكبار وشو عمل المختار ليحتوي الموضوع بين العائلات عند مدير المخفر .. وغيرها من الأخبار المنوعة الخفيفة الاخرى, ثم ينتقل الى آخر تحضيرات نويران باشا للاتنخابات وكيف رح تكون تقسيمة الافخاذ بالاصوات ومين هوه اكثر مرشح رح ينافس (مع العلم إنه ظايل على اجراء الانتخابات ثلاث سنين بعد) منتقلاً اثناء هذا الحديث بين النظر للتلفزيون المعلق اعلى جدار المحل وبين الزبائن المستمعين للوكالة الاخبارية الوحيدة المعتمدة لهذه الاخبار وهو الحلاق وبين خد الزبون الذي يمارس له التنظيف على الخيط وهكذا حتى تورم وجه هذا الزبون وطلب منه هذا الأخير ان يتوقف عن المعط على الخيط بسبب عدم قدرته على تحمل الالم , فانصاع الحلاق لرغبة الزبون ورش عليه وبشكل مفاجئ كولونيا من النوع الذي يشفطك شفط حتى يطلع الوجع من شبك (راسك) ثم يقول له :"نعيما ابو الشباب ...أي خدمة تانية ؟"
ـ الزبون متورماً متألماً :" لا تسلم ... شو تؤمرنا يا معلم ؟"
ـ الحلاق :" خليها علينا يا ابو الشباب ".
ـ الزبون :"لا والله ما بصير حقك وتعبك ".
ـ الحلاق :" قد ما تجيب شو ما بطلع من نفسك".
فيقوم الزبون وهو هنا على فكرة خالد ابو فلوص أزنخ واحد بالحارة وصاحب أوهر وأبشع اسنان ضواحك بالبلد يقوم بزج المعلوم بجيبة القميص للحلاق عاهد ابو الخرطات.
الزبائن بطبعهم والجالسين بين متابع للتلفاز وليس مع السوالف ابدا وبين رشاش ملح وبهار على سواليف عاهد الخراط حيث أن أغلب سواليف هذا الحلاق كانت تشذب بتشذب وافتراء على البشر بافتراء , وبين شابين في مقتبل العمر ينتظران دورهما على كرسي الحلاقة ولكن دون التفات لاحد في الصالون لانهما منشغلان بمتابعة فيديوهات ـ مشبوهة التفاصيل ـ على هاتف احدهما الجالاكسي وما في حدا أصلا جاي يحلق الا هذين الشابين والزبون اللي خلص قبل شوي وبالتالي فالقعدة كلها للحضور فقط أو المشاركة باكل لحوم الناس والبهتان عليهم أو لقضاء وقت الفراغ لآخر السهرة وخاصة ذاك الخمسيني وضاح الأعزب ـ لانه مش ملاقي مضب ـ الذي يسهر كل ليلة في الصالون ليقضي وقته ولحين ان تصبح الساعة 12 بعد منتصف الليل فيحمل نفسه ويذهب للنوم , منتظرين جميعا الغد للعودة لمثل سيناريو هذا اليوم وتلك الليلة .....
بعض المؤتمرات ببلدنا مثل قعدة صالون عاهد التشذاب ابو الخرطات , أغلبها جاية تقضي وقت وتسمع تشذب بتشذب واساءات باساءات وتخطيطات ماكرة وما حدا اله دخل فيها فبين منشغل بالهاتف وآخر منتظرا وقت غداء المؤتمر وذاك معزوم ليعبي الكرسي ومو فاهم اشي الا التصفيق بعد كل نحنحة أو شردقة من متحدث.
وصاحب المؤتمر مثل هالحلاق بشطِّب وجهك (بالغلط ) بالموس بعد ما يحلقلك عالناشف و بخلي صباحك يتهبر هبر من الخيط وآخر اشي برش على جرحك كالونيا بتصيح من وجعها من كل مكان وبتدفع مصاري وبتروح وانته تقلله :"الله يعطيك العافية ..
أقللكوا ...نعيما يا وطن على هيك مؤتمرات