زمن أم أزمان الوصاية

لا أحد ينكر أن السوريين فرضوا وصايتهم على لبنان ثلاثين عاما، ولكن هل زمن الوصاية السورية، هو الزمن الوحيد في تاريخ لبنان واللبنانيين، وخاصة في خطاب فريق 14 آذار "تحالف جعجع وتيار المستقبل ووليد جنبلاط"، وهل عاش لبنان منذ إعلان متصرفية الجبل في القرن التاسع عشر، الى توسيعه بأراضٍ سورية مثل طرابلس والبقاع، في القرن العشرين، أزمانا مستقلة دون وصاية…
إذا تجاوزنا الحالة الطبيعية التي سبقت الدولة والكيانات القطرية الحديثة، وتمثلت في نظام الاجندة ثم الولايات الرئيسية في بلاد الشام، وهي دمشق وحلب وصيدا التي كانت مناطق سورية الحالية ولبنان والأردن وفلسطين تابعة لها، فقد ولد لبنان الحديث وترعرع تحت أكثر من وصاية ….
وذلك علمًا أن أشد العائلات تعصبًا للكيانية اللبنانية، ومن كل الطوائف تعود إلى أصول شامية، فعائلة الجميل وعائلة الحريري مثلا من قرى درعا، وعائلة الخازن المارونية تنتسب إلى شجرة الدبابنة والمعشر في الأردن، كما تعود أبرز العائلات الشيعية إلى قبائل عاملة في منطقة الكرك الأردنية.
أما أزمان الوصاية التي ولد لبنان في خلالها فهي:
1. زمن وصاية الاستعمار الأوروبي الأول عبر ما عرف بالحملات الصليبية؛ حيث تنازل المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي وورثته من الابناء والاشقاء عن معظم مناطق لبنان الحالي لهذه الحملات، وفق صلح الرملة.
2. زمن وصاية الاستعمار التركي العثماني الذي دام خمسة قرون بالتمام والكمال من التخلف والاستبداد.
3. زمن وصاية الاستعمار الأوروبي، الفرنسي والبريطاني، الأول بذريعة حماية الموارنة والثاني بذريعة حماية الدروز وأهل السنة، وقد بدأ هذا الزمن بعد افتعال الاستعمارين للحرب الأهلية بين الفلاحين الموارنة بقيادة طانيوس شاهين "المدعوم من فرنسا" وبين الاقطاعيين الدروز "المدعومين من تحالف بريطاني – عثماني".
4. زمن وصاية الاستعمار الامريكي الذي دخل لبنان تحت ذريعة "ملء الفراغ" البريطاني – الفرنسي في خمسينيات القرن العشرين، وتمثل في رئاسة كميل شمعون التي تسببت في الحرب الأهلية 1958.
5. إذا اعتبرنا العرب، السوريين والمصريين والسعوديين والفلسطينيين، عنصرا خارجيا، وفق الخطاب اللبناني الدارج عن زمن الوصاية، فقد دخل لبنان في أكثر من زمن وصاية عربية:
الأول، زمن وصاية البرجوازية السنية الشامية التي شاركت في صياغة الكيان اللبناني برمته كما جاء في ميثاق 1943 الذي تقاسم فيه الموارنة والسنة المناصب الأساسية، وفرض فيه الشوام السنة وصايتهم على اللبنانيين السنة، وما كان ممكنا اتخاذ أي إجراء أو قانون في لبنان دون الرجوع إلى برجوازية الشام السنية.
وكان رجالات لبنان قد بدأوا الحج إليها قبل العهد البعثي
الثاني، زمن وصاية القومية العربية الناصرية، بل إن أهل السنة في لبنان صاروا يعرفون بـ "طائفة" جمال عبد الناصر
الثالث، زمن وصاية المقاومة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، حتى أن هذه المقاومة عند اللبنانيين السنة صارت أشبه بالذراع المالية والعسكرية لهم مقابل الكتائب عند الموارنة وأمل عند الشيعة…
وليس بلا معنى أن يعتبر بعضهم تيار المستقبل امتدادًا للإرث العرفاتي الذي حاول بعضهم استكماله عسكريًا بالتواطؤ مع بعض الجماعات السلفية المسلحة…
أخيرًا وعلى غرار ما كتبه المفكر المغربي، محمد عابد الجابري، عن الأزمان المعرفية والسياسية، يحدث أن تستعاد الأزمان المختلفة وتتصارع في لحظة زمنية واحدة.
فلا تزال فرنسا وبريطانيا وأمريكا وتركيا "العثمانية" والأزمان العربية تلقي بظلالها على لبنان، ولا داعي للضحك على أحد بالإشارة لزمن وصاية واحد، هو الزمن السوري.
(العرب اليوم 2015-04-09)