أشباه داعش في الكرك

نتحدث عن إجرام داعش ضد التراث والآثار التي لا تعجبهم، ونستهجن درجة ومستوى الانحطاط الذي ميز سلوك هذه العصابة التكفيرية، ولكن كم منا يعرف عن الاعتداءات التي تعرضت لها "آثار إسلامية" في محافظة الكرك لمجرد أنها لا تتفق مع الخطاب التكفيري، وأين هي الجهات المسؤولة المنوط بها الحفاظ على هذه الآثار، ونقصد وزارة السياحة ووزارة الأوقاف، وكذلك وزارة الثقافة:-
1. في بلدة الربة وتحديدا الجهة الشرقية منها، وعلى بعد أمتار من الشارع الرئيسي يقع مقام الامام زيد بن الحسين مؤسس المذهب الزيدي في اليمن، ولكن دون اللوحات القديمة التي كانت تشير لهذا الامام، وتاريخ وفاته، وهي موجودة في الارشيف، فمن اقتلع هذه اللوحة، ولماذا ترك المقام دون كلمة واحدة تشير لصاحبه، ناهيك عن امكانية تحويله الى مزار لآلاف اليمنيين الذين يأتون للأردن لغايات مختلفة.
2. في بلدة مؤتة، والى جوار ساحة المعركة، مقطع حجري لا يؤشر على شيء، وقد اقتطعت منه لوحة للملك الفاطمي الذي قام بإنشاء مشهد المعركة، وهي ايضا موجودة في الارشيف، فمن اقتلع هذه اللوحة ولماذا؟
3. في بلدة المزار، وعلى بعد أمتار من مقامات الصحابة الشهداء، جعفر الطيار، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، لا تزال منازل الشيعة الهنود المعروفين "بالبهرة" على حالها، كما أحرقت منذ فترة. وحول هذه الحادثة أكثر من رواية، فهناك من قال بأن مجموعة من أصحاب السوابق قاموا بهذا الحرق بتحريض موظف في قسم الشريعة في جامعة مؤتة، معروف بأفكاره التكفيرية، وهناك من قال بأن البهرة تجاوزوا حدودهم وحولوا أماكن إقامتهم الى إدارة مستقلة بحراسة خاصة لسلطانهم الذي كان معهم.
وفي كل الأحوال، اذا كانت الرواية الاولى صحيحة فعلى الجهات المعنية إعادة المنازل الى طبيعتها بدل تركها على هذه الحال، ومعاقبة المسؤولين عن هذه الاعتداءات، واذا كانت الرواية الثانية صحيحة، فإن وضع حد لتجاوزات اي وافد من مسؤولية الجهات المعنية لا مسؤولية خليط من التكفيريين واصحاب السوابق المطلوبين على قضايا جنائية.
ولمن لا يعرف، فإن معظم الأردن وليس المزار فقط كان متشيعا وفاطميا، قبل ان يحولهم صلاح الدين الى التسنن، ولا تزال رواسب الثقافة الفاطمية الشيعية عند الكركية قائمة حتى اليوم مثل قولهم "الله وعلي معك"، (الله، محمد، علي"، "شفاعة أو بركة حيدر في البيدر"، ويقصدون الامام علي.
وأذكر أن والدتي وهي من أهل السنة والجماعة زارت بيت الله في مكة مرتين، كانت تحتفظ بصور تتبرك بها لفاطمة الزهراء وللإمام علي، وقد كتب عليها "لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار..
4. بالإضافة للأماكن المذكورة، كم جهة في الكرك، وكم مواطن يعرف أن منزل سلطان باشا الاطرش قائد ثورة جبل العرب "الدروز" ضد الفرنسين وقبلها ضد العثمانيين موجود في "حارة المسيحية" في الكرك، وذلك بعد نفيه لها …. ولكنه بدلا من أن يكون متحفا لهذا الزعيم الوطني تحول إلى خرابة مهدمة مهجورة..
5. أيضا ماذا عن برج الملك والقائد الظاهر بيبرس بطل الحروب ضد الفرنجة "الحملات الصليبية"، ولماذا لا يستطيع السائح دخول البرج من كثرة القاذورات التي تسد بابه، ولماذا تظل قلعة الكرك دون اضاءة….
6. بالعودة الى مكان معركة مؤتة، لماذا أقيمت الجامعة على أرضها، واكتفي بمساحة صغيرة مسورة بالأسلاك الشائكة ومتروكة للشوك، وأكياس البلاستيك.. أما كان ينبغي أن تخصص لها المساحة التي تستحق، وأن تنار وتزرع بالأشجار وأحواض الورد…الخ..
7. أخيرا، وعن كل ذلك، هل هو عدم الاكتراث، أم الإهمال المتعمد، ومن هو المسؤول عن هذا الاهمال، أو عدم الاكتراث، والى متى، ولماذا، وماذا يتوجب على الغيورين سواء من أهل الاعتدال ورسالة عمان، أم من الوطنيين، أم من الغيورين في الدولة نفسها…
لا نتمنى بالتأكيد أن تكون أصابع تكفيرية أو خارجية، عربية، وغير عربية وراء هذا الاهمال…
(العرب اليوم 2015-04-21)