خطبة الجمعة المقترحة : حقوق العمال
المدينة نيوز - نشرت وزارة الاوقاف محاور مقترحة لخطبة الجمعة بعنوان " حقوق العمال " بمناسبة عيد العمال العالمي – الجمعة 1/5/2015 .
وفيما يلي عرض لتلك المحاور :
يحتفل العالم في الأول من شهر أيار من كل عام بمناسبة عيد العمال العالمي الذي يوافق هذا اليوم، وله قصة تاريخية ففي عام 1869م دعت منظمة حقوقية أمريكية تسمى منظمة فرسان العمل كانت تسعى إلى تحسين وضع العمال وزيادة أجورهم وتخفيض ساعات العمل ، فما كان إلا أن حصلت مصادمات بين رجال الأمن والعمال أدت إلى سقوط جرحى وقتلى . ومنذ ذلك التاريخ وفي نفس اليوم اصبح عيد العمال احتفالا عالميا للفت انظار العالم إلى حقوق العمال .
ولكن هل تعلمون أن أمة العرب قد سبقت دول العالم أجمع الى حقوق العمل بمئات السنين .. وقد يتساءل البعض وكيف ذلك ؟؟!! فاسمعوا هذه الرواية التاريخية ..
ظُلِم رجلٌ في أيام الجاهلية، وبخس حقه، ، فشكا إلى بعض قبائل قريش والأحلاف فلم يلتفتوا إليه، وهو رجل غريب قدم من قبيلة زبيد إلى مكة، فوقف عند الكعبة، واستصرخ الناس، واستنصرهم، وأخذ ينشد أبياتا منها:
يَا آلَ فِهْرٍ لمَظْلُومٍ بِضَاعتُهُ بِبَطْنِ مَكَّةَ نائي الدارِ والنَّفَرِ
وَمُحْرِمٍ أَشْعَثٍ لَمْ يَقْضِ عُمْرَتَهُ يَا لَلرِّجالِ وبَين الحِجْرِ والحجَرِ
إنَّ الحرامَ لمن تمَّتْ كرامتُه ولا حرامَ بثوبِ الفاجرِ الغُدَرِ
فأثار هذا الشعر نخوة ذوي المروءة والإنسانية من قريش، وأولهم الزبير بن عبد المطلب عمُّ الرسول صلى الله عليه وسلم، فنادى زعماء قريش فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان، وذلك قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حضره معهم وهو غلام، فنصروا ذلك المظلوم الغريب، فتعاهدوا فيما بينهم أن لا يروا مظلوما إلا نصروه، ولا مسلوبَ حَقٍّ إلا أعادوا إليه حقه.
وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبد المطلب :
إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا ألا يقيم ببطن مكة ظالـــم
أمر عليه تعاقــدوا وتواثقــوا فالجارُ والمُعترُّ فيهم سالم
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يتفاوت الناس في مستوى حياتهم وأرزاقهم ويجعلهم على طبقات: غني وفقير، رئيس ومرؤوس، عالم وجاهل؛ ليحتاجَ الناس بعضهم إلى بعض، قال الله تعالى:﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ سورة الزخرف ( 32 ) . يقول المفسرون: "أي: ليسخَّر بعضهم لبعض في الأعمال والحرف والصنائع، ولو تساوى الناس في الغنى ولم يحتج بعضهم لبعض لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم".
وفي الوقت الذي قرر الإسلام فيه واجبات على العامل من إخلاص وإتقان وأمانة ومسؤولية وغيرها ، فقد قرر الإسلام للعمال حقوقهم وجاء بكثير من المبادئ لضمان حقوقهم قاصداً بذلك إقامة العدالة الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم في حياتهم وبعد مماتهم .فقرر للعمال حق الحصول على العمل المناسب، وحق الحصول على الأجر العادل،وحق الحصول على الراحة والرفق في العمل،وحق الحصول على الضمان والكفالة، وحق الحصول على الضمان الاجتماعي والكفالة.
كما دعا الإسلام أصحاب الأعمال إلى معاملة العامل معاملة إنسانية كريمة ، والبرّ به وعدم تكليفه ما لا يطيق من الأعمال إلى غير ذلك من الحقوق التي منحها للعامل .. وحذّر من إيقاع أي شكل من أشكال الظلم بحقهم والتي تتمثل بالجوْرَ والحيف والقهر والبخس والمطل والقسوة والكبر وغيرها..
ويذكر في هذا المقام ما جاءت به الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تدعو إلى العدل ، وتحذر من الظلم وتحرمه ، وقد جاء في الحديث القدسي : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا ) .. وإنما هلكت بعض الأمم السابقة بظلمها وغيها قال الله تعالى ( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ) سورة يونس (13) ، ويقول تعالى : ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) سورة غافر (18)، وفي الحديث : ( اتَّقوا دعوةَ المظلومِ فإنَّها تُحملُ على الغمامِ يقولُ اللهُ وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّك ولو بعد حينٍ ) ، وفي حديث آخر : ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) .
ويدعو ديننا الحنيف أصحاب العمل أن يتقوا الله بما تحت أيديهم من عمال وأن يعاملوهم بالعطف والرحمة : روى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم) رواه البخاري ومسلم.. فلا يجوز أن يتكلف العامل من العمل فوق طاقته ومما يؤكد ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلَّف من العمل ما لا يطيق " .
ونحن في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بعيد العمال ، وقد تعالت الأصوات في الحديث عن ثقافة العيب في بلدنا ، فإن هذه الثقافة قد اندثرت ولم يعد لها وجود في مجتمعنا إلا النزر اليسير الذي لا يذكر .. وها هم شباب الوطن على أهبة الاستعداد بالعمل في أي مجال في سوق العمل .. ولكن كيف يستقبلهم أصحاب وأرباب العمل ، وما هو التحفيز والتشجيع المقدم للعمال الذي يحقق لهم متطلبات حياتهم .. ومن هنا ندعوا أرباب العمل ألا يظلموا العمال برواتب ضئيلة .. وعقود وهمية .. وسوء معاملة .. وتهديد ووعيد وطرد وظلم وجور ، ونذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ , ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مِنْ فِي السَّمَاءِ ) رواه الترمذي وأبو داود .
وفي ذات الوقت فإن العامل مؤتمن على ما كلف به من عمل وسوف يُسأل عنه ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) سورة النساء(58) ، وفي الأثر : " من أخذ الأجر حاسبه الله على العمل " ، فعلى العامل والموظف أن يؤدي عمله بإخلاص وأمانة وإتقان بعيدا عن الغش والخيانة؛ فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من غشّ فليس منا ) رواه مسلم، وليتجنب الرشوة وأكل الحرام قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) سورة الأنفال (27) ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ ) رواه البزار .. ويجب على العامل أن يبذل قصارى جهده في إتقان العمل وإجادته ، جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) رواه الترمذي ، وأن يتصف بالتعفّف وعدم استغلال الوظيفة أو النفوذ للنفع الشخصي أو لنفع الغير ، فقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال : ( من استعملناه على عمل ، فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول ) رواه أبو داود ..
وبمناسبة يوم العمال العالمي فهذا تذكير لأصحاب العمل والعمال بما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) رواه مسلم .. قال الله تعالى : ( وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) سورة التوبة (105) .