"الابراج والريح" عرض افتقر للغة مسرحية ترتقي بالفكر
!["الابراج والريح" عرض افتقر للغة مسرحية ترتقي بالفكر "الابراج والريح" عرض افتقر للغة مسرحية ترتقي بالفكر](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/084e3bf755e263c729d9f9dc8fed8f7c.jpg)
المدينة نيوز :- افتقر العرض المسرحي "الابراج والريح" لادوات التمكن من تقديم لغة مسرح ترتقي بالفكر والحبكة الدرامية وترابط المشاهد التي بدت متشظية وتوظيف عناصر السينوغرافيا بشكل متقن.
"إذا اردت ان تصنع صورا كاريكاتيرية درامية فعليك ان تبحث عن انواع المجاز التي تخاطب السمع او البصر، تلك التي تتضمن احداثا يمكن تمثيلها على المسرح"، بحسب المفكر الاسباني "ميجويل دي انامونو" الذي يضيف "إن الكوميديا لها رؤيتها النافذة الجدية ومضامينها البعيدة"، وهو الذي كان غائبا كليا عن العرض المسرحي "الابراج والريح" الذي تم توليفه عن نص للكاتب الفنزويلي "ثيسر رينخفيو".
فيما يذهب الكاتب المسرحي الاميركي مارتن جروتجان في كتابه "ما وراء الضحك" الى " وجود حجة سيكولوجية منطقية ترجع بالكوميديا الى اغوار اللاشعور" إلا ان الابداع في المسرح يقاس على اعتبارات نص محكم ومنظم ويبقى في الذاكرة، وليس على حوارات مرتجلة تتضمن الاستهانة بالعقل ولا علاقة لها بالربط بين سطور النص المسرحي، في حين يعتمد "المسرح الكوميدي" على المفارقة في كل جزئياته.
يستهل العرض المسرحي "الابراج والريح" الذي قدم مساء اول من امس الخميس على المسرح الرئيس في المركز الثقافي الملكي، واخرجه ومثل فيه عبدالرحمن بركات، لوحاته بدخول 7 ممثلين (منهم فتاتان) الى خشبة المسرح حيث يجلس 6 منهم على كراسي اقرب الى مقدمة الخشبة في مواجهة الجمهور ليقدموا اداء موسيقيا رتيبا، عزفا على آلات وترية وايقاعية فيما السابع(بركات) يراوح خلفهم جيئة وذهابا دون اي مبرر او دلالات توحي بمضامين بحسب مقتضيات المسرح، ليسقط الحالة المسرحية في ختام اللوحة، احد الاشخاص من خارج المجموعة الذي يبدو انه من جهة راعية للعرض ويقدم نبذة عن حكاية المسرحية، وهو الامر الذي لا يعد متعارف عليه او جائزا في العروض المسرحية خصوصا بعد استهلالها.
العرض الذي رغم ان مخرجه وفق في خلق بعض الايقاعات خصوصا الموسيقية منها، إلا انه ابتعد كثيرا عن النص الاصلي وكان بالإمكان الوصول إلى عرض متكامل لو طرحت حلول اخراجية اكثر تعبيرا عن حيثيات النص الاصلي وثيمته، والذي تحدث عن شخوص حملت اسماء الالوان للدلالة على مكنوناتها الداخلية، وسعى من خلالها المخرج الى اسقاط نماذج تقترب من شخصيات النص الاصلي الذي يثير قصة قرية في المناطق الداخلية من فنزويلا باعت مصيرها مقابل القليل من النفط في ظل سيطرة الشركات الاجنبية عليه والذي جلب عليها الابراج المدمرة والريح في فترة الستينيات من القرن الماضي، فيما شخصية الاصفر الانتهازية والتي يؤديها بركات، تؤدي دورا خبيثا بينهم في تأليب تلك الشخوص ضد "البطل" (ابيض) والتآمر عليه بوصفه المخلص لتلك المجموعة من الاضطهاد الذي يقع عليها.
جاء النص المنطوق للعرض الذي سعى للاتكاء على الاداء الحركي الا انه لم يوفق، بخليط بين الفصحى واللهجة المحكية غالبا، وغير مترابط ومحكم، رغم توظيف بعض المقاطع الشعرية والاغاني ولاسيما ذات البعد الثوري التي استهل بها العرض لوحته الثانية للثنائي احمد فؤاد نجم والسيد امام، فيما غابت مخارج الحروف وقوة الصوت لدى معظم الشخوص خصوصا الممثلتين اللتين ارتديتا احذية مرتفعة جدا اسهمت بثقل ادائهما الحركي وغياب التوازن والطواعية فيه.
في حين بدا النص غير المنطوق غائبا لافتقار العرض للجماليات والدلالات البصرية وعدم توظيف عناصر السينوغرافيا بشكل موفق باستثناء استخدام تقنية خيال الظل كفضاء اخر من خلف الستارة الشفافة في عمق الخشبة والذي عدا عن لوحة الاحتجاجات التي صاحبها رقص نقري أداه بركات، لم توظف بشكل متقن.
الاضاءة التي راوحت بين الصفراء والزرقاء والحمراء والبيضاء جاءت غير مترابطة مع اللوحات والمشاهد في دلالاتها ولاسيما في لوحة المؤامرة التي تشترك فيها شخصية الاصفر والاسود لاقناع الرمادي بتنفيذ اغتيال الابيض حيث تتحول الاضاءة من الاحمر الى الازرق قبل انتقال اللوحة وتغير سياقها، في حين شكلت بقع اضاءة بيضاء مستطيلة متوازية تموضعت فيها شخصية الابيض واحدى الفتيات تعبيرا عن التماثل، في الوقت الذي كثيرا ما افتقدت شخوص العرض تموضعهم المناسب مع حركة الاضاءة.
لم يوفق المخرج باستغلال مساحات كبيرة غير موظفة من خشبة المسرح ولاسيما المقدمة ويسارها من جهة الجمهور فيما آثر "حشر" قطع الديكور البسيطة في عمق الخشبة والتي بقيت صماء سوى من بضع لوحات، لتوفير مساحة لاداء حركي وراقص مفتعل افتقر للانسجام واختلال في الميزانسين، فيما عبرت بعض الازياء عن شخوصها في الوقت الذي لم توفق اخرى.
الاداء التمثيلي بمجمله جاء باهتا ولم يكون بالمستوى المطلوب لجميع المشاركين وزخر بالتكلف والتصنع في الاداء وغاب عنهم التقمص العضوي للشخوص، إذ "ان الممثل الذي يمثل بكتفيه فما فوق لا يمكنه من التواصل مع المسرح، والممثل الحساس هو الذي يكون في كل لحظة على اتصال بجسده كله وحين يبادر للقيام بحركة فهو يعرف المكان الدقيق لكل عضو منه" بحسب بيتر بروك.
ووفاقا لما تقضي به حاجات مسرحية كوميدية منوط بها أن تنهي العمل كله بكوميديا الموقف أكثر منها كوميديا اللفظ والحركة المفتعلة، وهو مالم يتحقق في ختام العرض الذي انتقل كذلك مباشرة إلى المشهد الاخير دون التمهيد اليه.
وشارك في العرض هاشم بياتي ومنذر خليل ونيرمين الفاعوري وسيرين الفاعوري وهاني دهشان وخليل كمال والاضاءة لنورس علاونة.