دفاعا عن ثروة وطنية

بالفعل، كان يوما حزينا للأردن ككل، إذ خسر طبيبا متميزا بمقتله أول من أمس. وبرحيل الطبيب المغدور محمد أبو ريشة، فإن أسئلة كبرى تتناثر أمامنا جميعا، من أجل أن تتحمل الدولة، بمؤسساتها وأفرادها كافة، المسؤولية؛ تجنبا لتكرار هذه الجريمة البشعة التي هزتنا، وأشعرتنا بحجم الهوان الذي أوصلنا إلى هنا.
حماية المهنيين مسألة لا تخضع للأمزجة، ويجب أن تكون خارج نطاق التفاوض والمرونة التشريعية أو الأمنية. وبعد سنوات من تكرار الاعتداء على الأطباء، فإننا اليوم أمام مقتل طبيب. فكل التحذيرات التي أطلقها الجسم الطبي، لم تمنع انتقال الجرائم من مربع الاعتداء إلى مربع القتل، بتدبير وترصد مسبقين. وعندما نعلم أن الطبيب ذاته كان تعرض للكمة من القاتل نفسه، قبل بضعة أشهر، بسبب رفض الطبيب إعطاءه الدواء الذي يريد، فهذايعني أن الأسبوعين اللذين قضاهما المعتدي في السجن لم يمنعاه من ملاحقة الطبيب، وصولا إلى قتله.
هي خسارة كبرى لنا جميعا. وهي أيضا خسارة اقتصادية يصعب تحديد أبعادها. فإذا اتفقنا أن الأطباء في الأردن يعدون ثروة وطنية؛ بما حققوه من تقدم وتطور وسمعة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، نكون بذلك قد صمتنا حيال المساس بأمن هذه الفئة التي تجهد كثيرا من أجل تحسين شروط حياة الأردنيين والعرب. ويصيب هذا الصمت تلك السمعة القوية، حتى أصبح المشهد -للأسف- أقرب إلى تلك التي "نقضت غزلها من بعد قوة".
الجريمة التي ذهب ضحيتها المغدور د. أبو ريشة، تستدعي وقفة وطنية لإنقاذ الأطباء، واسترداد السمعة الجيدة التي تعرضت للخدش، عبر سلوكيات همجية يجرمها القانون، تطورت إلى القتل والخسارة الفادحة.
وعندما يقرأ العالم في الصحافة عن تسجيل مرض باسم طبيب أردني، فإن الإحساس بالفخر يسيطر على القراء، اندهاشا بالمستوى الذي وصله الأردن. بيد أن هذا الفخر تعرض لهزات عنيفة بعد ذلك بأيام، عندما "تبنت" وسائل الإعلام تلفيقات عن نسيان جهاز هاتف محمول في جسد سيدة أُدخلت المستشفى! وأمور أخرى أقرب إلى الشعوذة. أما بعد مقتل الطبيب أبو ريشة، فإن صورة الفخر تخبو أمام إراقة دماء أولئك الذين كانوا سببا في فخرنا وقوة اقتصادنا وسلامة صحتنا.
بعد هذه الفجيعة، ينبغي تغليظ العقوبة بحق كل يد تمتد بسوء إلى المهنيين، وفي مقدمتهم الأطباء. ويجب أن يحقق القانون الردع الكافي، وإلا فما فائدة التشريعات والقوانين إن لم تمنع المعتدين من تنفيذ جرائمهم؟! وعلى الحكومة تحمل مسؤولياتها بتعزيز الحضور الأمني في المستشفيات والعيادات. كما يستحق أطباء وزارة الصحة، خاصة في مستشفى البشير، الدعم اللازم؛ من خلال تخفيف الضغوط التي يتعرضون لها بسبب كثرة المراجعين، علاوة على دعمهم ماليا. فرواتب الأطباء العاملين في الحكومة هي الأقل، رغم أنهم يعملون ضمن ظروف أكثر صعوبة من نظرائهم في القطاع الطبي.
حتى لا نفقد الثروة التي سهرت من أجلها أجيال أردنية، وبذل في سبيلها الغالي والنفيس، فوصل القطاع الطبي إلى المستوى الذي بلغه والتنافسية التي حققها، فإن مقتل الطبيب أبو ريشة يجب أن يشكل محطة يدق فيها ناقوس الخطر، من أجل حالة أكثر أمنا لأرواح الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وكذلك من أجل الحفاظ على سمعة دولية سجلت سبقا استثنائيا في الاقتصاد كيفما نظرنا إليها.

(الغد 2015-05-12)