الدين: المفهوم الأكثر حضورا وغموضا

تم نشره الخميس 14 أيّار / مايو 2015 11:40 مساءً
الدين: المفهوم الأكثر حضورا وغموضا
إبراهيم غرايبة

برغم أن "الدين" هو المنظومة المعرفية الأكثر حضورا في تشكيل رؤية الناس للكون والحياة وما بعد الموت، إلا أنه مفهوم غامض لدى الناس. ويكاد معظم الناس، بمن فيهم المتدينون، لا يعرفون الدين معرفة علمية، قائمة على مجهود فكري وملاحظة وبحث. فالناس يتبعون الدين أو ما يظنونه ديناً، ويقدسون التعاليم الدينية أو ما يظنون أنه تعاليم دينية، بلا تفكير عميق. وفي غالب الأحيان، لا يجرؤون على التساؤل والبحث، مخافة العقوبة الإلهية أو السلطة الدينية أو الاجتماعية.. أو السياسية! فالدين، وبخاصة في عالم المسلمين، هو موضوع محرم على الدراسة العلمية والبحث والنقد، بل والتساؤل الذاتي فيما بين المسلم ونفسه!

الدين يُدرس في عالم العرب والمسلمين دراسة "لاهوتية"؛ فهو لتعليم وإعداد المتدينين أو تطبيق الدين وممارسته (الاعتقاد والصلاة والصيام والحج والزكاة..)، أو العاملين في مجال الدين (التعليم والإمامة والإرشاد والافتاء..)، وليس دراسة علمية "علم الأديان"؛ كما تدرس العلوم الإنسانية والاجتماعية. وهذا يجعل عالم فهم الإسلام وتطبيقه، على عكس ما يقول المسلمون، خاضعا لمؤسسة دينية تحدد للمتدين فهم الدين وتطبيقه. فالمرجعية الدينية أو المؤسسة الدينية تملك سلطة تنفيذية ومعنوية هائلة؛ تتجاوز التشريع والتطبيق، إلى التهديد والعقوبات المشددة، بل وتمتد إلى ضمائر الناس وأفكارهم ومشاعرهم!

ما معنى الدين؟ وما حدوده؟ ما الفرق بين الدين والعلم؛ وبين الدين والفلسفة؛ وبين الدين والتصوف؟ وكيف يميز الإنسان بين الديني بما هو من السماء، وما هو إنساني يمثل فهم الدين وتأويل النص الديني وتطبيقه؟

سيجد من يحاول أن يفهم الدين باعتباره موضوعا للبحث العلمي نفسه مضطرا لأن يلجأ إلى الإنتاج الفكري الغربي، فليس ثمة في عالم الإسلام سوى محاولات قليلة خجولة للعلوم الدينية. ليس لدينا لفهم الدين سوى تعاليم وقواعد تُقدم لنا باعتبارها أوامر من السماء، لا نملك إلا اتباعها، وإلا ستطبق علينا في الدنيا عقوبات الردة والزندقة والتفريق والسجن والغرامة والجلد، وفي الآخرة ينتظرنا عذاب شديد!

الدين في اللغة هو من الاتباع والطاعة والقانون والعدل. ويشارك "الإسلام" في بعض هذه المعاني. وفي البعد التطبيقي، هو ما يتبعه الإنسان مصدقا أنه من عند الله. ويعرفه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم، بأنه نظام موحد من العقائد والممارسات المرتبطة بأشياء مقدسة. ويقول فردريتش سكليرماتشار: إن جوهر الدين يتكون من الشعور بالاعتماد المطلق. ويعرف رودلف أتو الدين بأنه ما ينشأ ويقدم تعبيرا عن تجربة لما هو مقدس في أشكاله العديدة. وبول تيليتش يعرفه بأنه حالة الذات المتعلقة بالمطلق. أما ماكس فيبر، فيقول: لا نستطيع أن نحصل على تعريف للدين، لأن هذا التعريف يكون محصلة دراسة. وطبيعة الدراسة تجعلنا غير قادرين على الوصول إلى تعريف للدين.

يقدم الدين تفسيرا للإنسان والعالم، وللإنسان داخل العالم؛ فهو يمكنه من ممارسة أعمال مختلفة، ومن تدعيم كل ما يحكم الوجود الجماعي. وفي الممارسات الدينية الشعائرية، يظلل الإنسان شعور بالأمان في عالم طبيعي، قد يظهر له أحيانا مرعبا، خاصة عندما لا يكون هو السيد المطلق فيه، وكذلك في مجتمع يسعى إلى تنظيم العلاقات بين البشر فيه، ويجيب عن المشاغل الفردية كما الشأن عن الكروب الجماعية.

ويتحدد الدين من خلال الوظائف التي يمارسها في المجتمع البشري، ومن خلال الإجابات التي يقدمها عن الأسئلة المطروحة من جانب الإنسان، والمتعلقة بالكون والحياة والممات، والقوى التي تدبر أمره.

وكظاهرة إنسانية، يكون الدين إجابة للإنسان لينسجم مع حقيقة أكبر وأكثر بقاء من ذاته. وهذه المجهودات لا ترمي فقط إلى جعل ظروفه في هذا العالم قابلة للتحمل، ولكن وبالأخص إضافة معنى إليه.وإذا عرّفنا الدين بأنه مجموع القواعد التي تجمع الإنسان والمقدس، فإننا لا نصل إلى توضيح الأمر الثاني من العلاقة. ذلك أن علوم الإنسان ليس بمقدورها إدراك الـ"ما فوق طبيعي"، ويلزمنا الإقرار وبثبات أنه لا يتيسر أبدا بلوغ المقدس إلا عبر الإنسان. يقول تليش: ليست الرموز الدينية حجرا متساقطا من السماء، بل هي مترسخة في جميع التجارب البشرية؛ فلا يتيسر لنا فهمها إلا بوضعنا في الحسبان السياق الاجتماعي والثقافي الذي تطورت عبره، والذي وقفت ضده في بعض الأحيان. الغد



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات