المعارضـــة المتأخـــرة
أمر طبيعي في الديمقراطيات المعاصرة وفي ظل أنظمة تبادل السلطة أن يكون هناك معارضه وتبادل للمراكز بين المعارضة والموافقة بحسب الدساتير الحديثة والأنظمة الديمقراطية وأنظمة الأحزاب التي تحكم ، فمن الطبيعي في حال فوز أحد الأحزاب أن يتحول الحزب الآخر لمعارضه وهي في فقه الديمقراطيات الوطنية تعتبر معارضه بناءه ، على اعتبار أن الجميع ينطلق من منطلق الحرص على مصالح الوطن سواء أكان موافقاً أو معارضا كل من وجهة نظره والحقيقة هنا أن الناظر إلى الدول المتقدمة والديمقراطية يلحظ بان الطرفين يتسابق كل منهما لتقديم الأفضل لخدمة قاعدته ومجتمعه ووطنه ودولته إلى هنا الأمر طبيعي ، لكن في الدول التي فيها شبه ديمقراطيه وتعتمد نظام الكولسات والإقصاء والاتهام والتخوين ، تجد أن البعض ممن تمكنوا من السلطة ردحاً من الزمن ونالوا الأوسمة والنياشين وعملوا في كل الحقول العسكرية والسياسية والسيادية والبرلمانية ووصلوا إلى قمة هرم السلطة في تلك المواقع وكان سلوكهم أثناء وجودهم في قمة هرم السلطة الموافقة المطلقة بل وابلغ من ذلك إقصاء واتهام وتخريب وتدمير مشروع الغير إذا كان معارضاً أو لديه نفس المعارضة ويتعدى الأمر إلى دفع المال الخاص أو جمع التبرعات تحت ذرائع شتى لإقصاء الغير وشراء الذمم وشراء الأصوات في كافة مراحل العمليات الدستورية إقصاءً لصاحب صوت مرتفع لا يعارض الوطن وسياساته العامة بل يتقاطع مع مصالح أولئك الأشخاص الذين جعلوا من أنفسهم حماة للوطن واتهموا غيرهم إلى حد الوصول للخيانة أحياناً ، ولهذا نستغرب من هؤلاء أن ينقلبوا في أواخر عهودهم وحياتهم إلى معارضين للسياسات العامة التي كانوا بالأمس حماة لها بحسب زعمهم فهؤلاء من وجهة نظرنا نحن الشرعيين ينطبق عليهم وصف المنافقين في قول الله تعالى" إِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ " ومن وجهة نظر المشتغلين بالسياسة " يا لعيب يا خريب" .
في نهاية العمر وبعد كل الجهود والانجازات المداعاه أو الحقيقة ماذا يمكن أن يقول أهل الثقافة والسياسية عن هؤلاء ، ماذا يقول هؤلاء وهم يتصدرون الوسائل الإعلامية ودخول الجامعات لإلقاء محاضرات عنوانها الواضح معارضة واضحة وقوية ؟ وهل يعتقد هؤلاء بأن ذاكرة الناس مهترئه إلى هذا الحد وينسوا تاريخهم في صياغة كل القوانين التي يعتقد الغالبية بأنها شرعت للفساد وقد حشدوا لذلك الإمكانات والإغراءات والمناصب والمال ومارسوا الإقصاء والإبعاد والتخوين لمن يعارض تلك السياسات ، هل يعتقد من يمارس هذه الأدوار في حرق المراحل واللعب على كل الحبال بأن المراقبين من مثقفين وسياسيين سيتركوه في حاله؟ هل يعتقد من كان موافقاً للسلطة على خيرها وشرها وقت الاستفادة منها بأن التاريخ سوف لن يسجل تلك المواقف وينالهم منه الرحمة أو أدنى حدود الشفقة ، إني لأجزم أن البعض يحاول أن يحرق تاريخه بما احتوى من انجازات حتى ولو كانت موهمه عندما ينتقل من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال وأن ثقافة المجتمع عندنا لا تقبل مثل هذه التصرفات بغض النظر عن الدوافع والمنطلقات التي ينطلق منها أمثال هؤلاء والذين هم عملياً على وشك الانتهاء ، وعليهم أن يتذكروا بأنهم بهذا التسارع في وتيرة الاضطراب يفقدهم احترام أرباب الثقافة والفكر ممن يتصفون بالموضوعية والجرأة في قول الحق ، إضافة إلى إنهم يجعلون للمعارضين السياسيين عليهم ، طريقا قويا للطعن في تاريخهم وسجلاتهم على اعتبار أنهم مصلحون بامتياز وان كل سجلهم الأسبق وتاريخهم الغافل لم ينطلق من مواقف مبدئية موضوعيه قائمة على مصلحة وطن وأمه بل قائمة على أنانية فردية مقيتة تنتهي بالإزدراء والازدواجية والسقوط والغياب عن الموضوعية والمناداة بمصالح الأوطان .
من أقصد يعرفون أنفسهم ويعرفهم الناس واللبيب من الإشارة يفهم (خلاص انتهى) حافظوا على سجل الشرف سواء أكان عسكريا أم مدنيا أم سياسيا أم برلمانيا وأخيرا عشائريا، فالأعمال بالخواتيم وذاكرة الوطن والمجتمع والتاريخ هي صاحبة الحق في محاكمة مراحلكم ومن صاحبكم من أصحاب مبدأ الميكافيلية بالمعارضة المتأخرة لا تفترق عن المراهقة المتأخرة إن لم تكن منها أشد.
والله من وراء القصد