الباشا.. !
المدينة نيوز - خاص - محرر الشؤون المحلية : ظل البريق المنبعث من مفاتيح الدوار الرابع يمثل اغراء خاصا لعيني الباشا اللتين لم تغلقا امام طموحه في الحصول على عضوية نادي رؤساء الوزارات، وحين رأى ذلك بعيد المنال ذهب الى اشهار حزب سياسي يكون قادرا على حصد اغلبية مقاعد البرلمان، التي قد تؤهله لتشكيل حكومة حزبية في حال اعتماد الحياة البرلمانية مرجعية لتشكيل الحكومات، كما تطالب بذلك قوى وشخصيات عديدة على سبيل الاصلاح السياسي .
يعرف أصدقاء الباشا ان وجوده في مجلس الاعيان قد يكون مؤقتا، فهواه ظل معلقا ًبالشق الاكثر حراكا ًفي مجلس الامة، حين تم حجز كرسي رئيس المجلس باسمه لعدة دورات متتالية لمجالس متتالية في الأغلب ، وهناك يملك من الصلاحيات ما يؤهله لتقديم نفسه كأحد ابرز صانعي القرار السياسي في الاردن.
لم تكن علاقته بالسلطة التنفيذية سالكة دائماً، اذ يتذكر الاردنيون ان الباشا و "رفاقه " في مجلس النواب وضعوا عصيهم الغليظة أمام عجلة حكومة الدكتور عدنان بدران عام 2005 واجبروا الرئيس على اجراء تعديل على حكومته قبل تقدمها ببيان الثقة، مما جعل العلاقة ساخنة باستمرار بين الدوار الرابع والعبدلي، لحكومة كانت الاقصر عمرا ًفي ربع القرن الاخير في الحياة السياسية الاردنية .
منذ تخرج من كلية الهندسة في جامعة بغداد في منتصف الخمسينات، لم يكن هذا المهندس الكركي قد حدد مساره في الوظيفة والحياة بعد.
عبدالهادي المجالي الذي ولد عام 1934، اكتشف أن الطموح الذي يعيش داخله، اكبر كثيرا من أن تعبر عنه شهادة الهندسة التي يحملها، فانتسب للجيش العربي وتدرج في الرتب والمواقع، ليصبح فيما بعد رئيسا لهيئة أركانه المشتركة قبل أن يتولى مهمة قيادة جهاز الأمن العام.
رغم انه عمل سفيرا للأردن في الولايات المتحدة، ورغم توليه مسؤولية حقيبة وزارة الأشغال العامة والإسكان في حكومة الرئيس عبد الكريم الكباريتي، إلا أن لقب "الباشا " ظل مرافقا له، متغلبا على كل صفاته وألقابه الدبلوماسية والسياسية والأكاديمية، وان تسرب إلى حياته العامة بين فترة وأخرى لقب "معالي " .
هذا الكركي القادم للعمل السياسي من صفوف المؤسسة الأمنية والعسكرية، ظل قادرا على الإمساك بطرفي المعادلة، حيث اعتقد البعض أنهما طرفان لا يلتقيان، إلا عند المنعطفات المصيرية الخطيرة.
بعد سنوات طويلة من العمل في الوظيفة الرسمية بشقيها العسكري والمدني، قرر المهندس الذي ما زال يحب لقب "الباشا "هجر الوظيفة الحكومية وحجز لنفسه مقعدا في مجلس النواب، ظل يشغله منذ المجلس الثاني عشر عام 1993.
يملك قدرة لافتة للنظر في نسج تحالفات سياسية وانتخابية، تربك منافسيه، وتحطم التابوهات المغلقة التي كانت سائدة تحت القبة، أو في الطريق إليها، قبل أن يقرر الجلوس الدائم على كرسي رئيس مجلس النواب.
لا ثوابت في السياسة ولا ثوابت في التحالفات، هكذا فهم الباشا المعادلة، وتعامل معها تحت القبة وخارجها، وصار على الحكومة، أي حكومة، أن تقرأ جيدا ملامح الأجندة السياسية لمعالي الباشا قبل أن تتقدم ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مرحلة ظل الرجل فيها قادرا على تحريك رياح المجلس في الاتجاه الذي يعتقد انه يخدم مصالحه.
الذين يعرفون معالي الباشا عن قرب يؤكدون أن تكشيرته لا تلازم ملامح وجهه دائما، وربما يكون الرجل قد اكتسبها من طبيعة وظائفه السابقة، التي كانت تتطلب شيئا من الجدية والصرامة، لكن الباشا يضحك كثيرا في مجالسه الخاصة، ويضحك أكثر وهو يرسم مع المقربين منه ملامح المشاهد الساخنة التي يصرون على نجاحها إلى أن قال خصومه وهم كثر في الأردن : ضحك إلى أن ضحك عليه ( بالمعنى السياسي ) .
فترويحة الباشا من مجلس النواب هو وجماعته في غمرة إعداده لانتخابات رئاسة المجلس ، وبالطريقة المعروفة ، كانت بنظر كثيرين " الضربة القاضية " لرجل يصر أنه ما زال قويا ممسكا بتلابيب اللعبة مع أن من بين عشيرته من خرج يقارعه حزبيا وسياسيا و " عشائريا " .
بعد عودة الحياة الحزبية مطلع التسعينات من القرن الماضي، ذهب عبد الهادي المجالي مثل غيره من النخب وقادة الصالونات السياسية، إلى تأسيس حزب أراد من خلاله تقديم رؤاه وبرامجه السياسية، فولد حزب العهد الذي صارت له جريدته أيضا، وبعد أن اكتشف الباشا أن حجم طموحه السياسي اكبر من ذلك بكثير، تبنى إشهار مبادرة نجحت في دمج تسعة أحزاب وسطية، ليلد من رحمها الحزب الوطني الدستوري حيث شغل الباشا منصب الرئيس في هيكله التنظيمي، وصار مرجعية سياسية وأخلاقية لأعضاء الحزب، الذي أراد له مؤسسوه أن يفرد جناحيه على مساحة الوطن كله، غير أن الحزب تعرض لانشقاقات عديدة وغادرته شخصيات بارزة لم يستطع الرئيس الاحتفاظ بها داخل بيت الحزب واتهم باللإنفرادية والدكتاتورية و " الأنا " وهو ما ينفيه عن نفسه دائما .
أحيانا يقود عبد الهادي المجالي سفينة المعارضة داخل المياه الإقليمية للحكومة وفي أحيان أخرى يتوحد المساران حين تتطابق الرؤى والمصالح والاجتهادات، رغم ان اجندة الباشا تملك خصوصيتها الدائمة في قراءة اتجاهات الريح التي تحرك اشرعة القوارب المتقاطعة ، فالمصالح كالأمواج ، تروح وتجيئ ، وأيضا : تتقشر بفعل الريح ، وعند الباشا فإن الريح الوحيدة التي يعتبرها عاتية بامتياز ، هي عدم فوزه باللقب الأغلى : " دولة عبد الهادي باشا " .