لنتذكر حضارتنا

الحضارة العربية الاسلامية من أعرق الحضارات في العالم. أعرف انه ليس هناك من عربي مثقف او قارئ جاد إلا قرأ وعرف الكثير عن حضارة بلاده العربية الاسلامية. لكن! الذي دفعني لأكتب عنها نبذة قصيرة وأذكّر بها جماهير العرب الذين يقرأون هذا المقال؛ هو ما تتعرض له حضارتنا من تدمير متعمد وممنهج منذ 1948 وتشكل الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة؛ اذ بدأ بوضع الخطط الممنهجة لطمس معالم فلسطين الحضارية القديمة، وغيّر وكتب عليها بالعبرية انها آثار يهودية قديمة!
وفي عام 2003 دمرت الامبريالية الامريكية والبريطانية اثناء غزو العراق الكثير من المعالم الحضارية القديمة التي قامت فيه منذ عشرة آلاف عام ق.م. وهي كما يقول مؤرخو الحضارات القديمة اولى الحضارات القديمة التي قامت وازدهرت في منطقة البحر الابيض المتوسط غرب اسيا. وكذلك الامريكان والبريطانيون ورجال الموساد الذين دخلوا مع الجيوش الغازية نهبوا الكثير الكثير من الاثار العراقية وباعوها في المزادات العالمية واحتفظوا ببعضها الآخر.
والآن مجموعات داعش، في المناطق التي توجد فيها دمرت وتدمر باقي الاثار العراقية، وتنهب القطع المحمولة وتبيعها في الخارج، عن طريق تركيا. وكذلك تقوم داعش بنفس العمل في سورية. والآن حضارة اليمن القديمة التي تعد اقدم واعرق حضارات الجزيرة العربية، دمرت وتدمر!؟
بدأ تدمير الحضارة العربية الاسلامية منذ 1948م وحتى الآن.. وهذا الامر يحزن ويقلق العرب الكثيرين المخلصين لتراثهم وحضارتهم وهويتهم ومشاهد تدمير الحضارة العربية الاسلامية, الذي نشهده في هذا الزمن الرديء! هو استهداف صارخ لهذه الحضارة تحت عنوان: الصراع الديني الحضاري بكل ما في هذه العبارة من معان وتشبيهات واستعارات.. فالامبريالية الامريكية والغربية والصهيونية العالمية يريدون ان يرجعوا العرب الى عصور ما قبل التاريخ واعادتهم لعصور البداوة والتخلف قبل الاف السنين.
حضارتنا العربية الاسلامية هي عنوان شخصيتنا وعنصر وجودنا ورمز حياتنا، وهي خط دفاعنا الاخير في مواجهة الهجمة الامبريالية الامريكية الصهيونية بأقنعتها البشعة كلها.
في هذا المقال اردت ان اذكر بحضارتنا العربية الاسلامية العريقة، علّ الذكرى تشعل الحمية وتعيد لنا الوعي بواقعنا الماضي وامجادنا السالفة، فنصحو من غفوتنا، ونعلو على خلافاتنا وتشرذمنا، ونقف معا في وجه الجميع بتوحدنا.
لنتذكر ان حضارتنا العربية الاسلامية أسهمت الى حد كبير في الحضارة العالمية، سيما في الحضارة الاوروبية إبان عصر النهضة. فالحضارة القديمة في بلاد ما بين النهرين "العراق" كان لها التأثير المباشر في الحضارة المصرية الفرعونية، بانتقالها عن طريق التجارة عبر الخليج العربي فبحر العرب فخليج عدن عبر باب المندب فالبحر الاحمر؛ حيث ان السفن التجارية في البحار تحمل معها التجارة والناس والافكار والثقافة.
ومع تمدد الاسلام جغرافيا ودينيا، تمكن العرب المسلمون من الاستيلاء على اقدم مراكز الحضارة في العالم وورثوا ثقافات تلك الحضارات التي تعود الى حضارات سومر واشور وبابل في بلاد ما بين النهرين (العراق) وحضارة الفراعنة في وادي النيل (مصر) وحضارة الفرس واليونان والرومان. واستفادوا من استثمار التراث الفكري والفني والحرفي لتلك الحضارات فقلدوها واضافوا اليها.
ان المدنية العربية الاسلامية قامت اثر المدنية الارامية، والمدنية الفارسية، وتدرجت في معارج الرقي تحت راية الخلافة معبرة عن نفسها باللسان العربي لغة ودينا. وجاءت متممة للحضارات السامية العريقة التي ابتدعها ورعاها الاشوريون والبابليون والفينيقيون والاراميون. والعرب استلموا انجاز هذه الحضارات وانجزوا فوقها؛ حتى غدت في الذروة القصوى التي بلغتها في غرب اسيا وحوض البحر الابيض المتوسط. وعلوم الحضارة العربية وضعها من كانوا في كنف الخلافة من عرب وجنسيات واديان مختلفة.
في دمشق بدأت الحضارة العربية الاسلامية خطاها الاولى في عهد الامويين. وفي العصر العباسي بدأت تزدهر وتتعاظم. ويعتبر عصر الخليفة المأمون العباسي عصر القمة لهذه الحضارة بدينها الاسلامي وثقافتها العربية.
وفي العصر العباسي بلغت الحضارة العربية الاسلامية تجلياتها وعظمتها، خاصة في بغداد. وهذا يعود الى اليقظة التي لا مثيل لها في تاريخ الاسلام، والتي اعتبرها علماء التاريخ من اهم النهضات في تاريخ التقدم الفكري في العالم اجمع. وكانت وليدة المؤثرات الاجنبية من فارسية وهندية وسريانية وهيلينية، وهذه اليقظة أتت نتيجة الترجمة عن الفارسية والسنسكريتية والسريانية واليونانية الى العربية. ومما ساعد على ذلك ان الدين الاسلامي لم يضع قيودا على الفكر البشري في الحصول على المعارف والثقافات القديمة، بقدر ما يسمح به الدين.
فدمشق، عاصمة الامويين وبغداد عاصمة العباسيين منهما انطلقت اشعاعات الحضارة العربية الاسلامية، وشعت على بلاد الامبراطورية العربية الاسلامية على امتدادها الجغرافي الى اوروبا وما حولها.
واعود فأقول: ان امتنا العربية كلها بحضارتها وشعوبها واراضيها ومواقعها الاستراتيجية وبحارها ومضائقها اهدافا استراتيجية للامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية والغرب كله.
لنعي جيدا خطورة ما نحن فيه، وجسامة ما ينتظرنا!؟ وعلى علماء الامة وسياسييها ومفكريها وعقلائها ومثقفيها ومخلصيها والغيورين فيها ان ينهضوا ويعملوا على انقاذ السفينة العربية قبل ان تغرق بالعرب جميعا.. من دون استثناء.
(العرب اليوم 2015-05-24)