قانون التربية والتعليم ... بين ضرورة التعديل وانتقائية التطبيق ( قراءة معمقة في قرارات وزارة التربية والتعليم )
تؤكد الأعراف القانونية دائما على أن العمل على تفسير مواد أي قانون ما وتطبيقها على أرض الواقع لا يأت إلا من خلال استحداث أنظمة منبثقة عنه تؤطر روحه وتضبط موازينه ، كما وأن إدامة النظر أيضا في مواده والاعتراف بالنقص فيها – كأي منجز بشري – ليصار لتطويره دوما يعد منهجا حقيقيا في ترسيخ العمل المؤسسي والبعد عن شخصنة التفسيرات وتطبيقاتها ، أما أن يتم تفعيل بعض مواد القانون والتغاضي عن أخرى أومحاولة السكوت عنها أو حتى إخفائها ليس إلا لنظرة غير شمولية فهذا يعد أيضا مخالفة للعقل والمنطق ، ناهيك عن هذه الأعراف .
وهذا ما شهدناه خلال العشرين عاماً الماضية ، فما زال قانون التربية والتعليم الصادر سنة (1994م) لم يتم العمل بالعديد من مواده القانونية وتحويلها لأنظمة فاعلة , ولم يتم اتخاذ أي خطوة جادة بهذا الاتجاه ، بل قد أسس قانون التربية والتعليم بمواده عدد من الموضوعات التي تحتاج إلى أنظمة لتفعيلها في الميدان التعليمي إلا إنه لم يتم العمل بها حتى الآن ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: التقويم والتقييم ومعايير المعلم والمناهج وآليات تصنيف المدارس ، وغيرها من المواد الهامة الأخرى.
وما شهدناه مؤخرا من توجه الوزارة إلى تعديل قانونها جاء على أساس واحد فقط وهو : إعادة تعريف المعلم ، والذي يرسخ حالة الفصام بين من يمارس التعليم في الغرفة الصفية وبين من يدير جوانبها الفنية والإدارية والتقويمية والتخطيطية والاستراتيجية ، الأمر الذي يحمل في طياته العديد من علامات الاستفهام في الدوافع والرسائل المراد إيصالها للميدان عموما والنظر في علاواتهم المستحقة ولنقابة المعلمين الأردنيين – حديثة المولد – خصوصا ، كل هذا مع إغفال لكل آثاره الفنية والتربوية في الميدان التعليمي ، ولك أن تتخيل عندما يصبح شخص ما لم يمارس مهنة التعليم أصلا مديرا لمدرسة ، فكيف سيتابع اليوم المدرسي والمعلمين والمناهج والتنمية المهنية ومئات المفردات التعليمية ، مع أن مدير المدرسة يعد – في العرف التربوي – مشرفا تربويا مقيما ، ولك أن تتخيل أيضا كيف سيصبح حال القيادات التربوية في المديريات ذوي نزعة إدارية تخلو من النظرة التربوية ، فهم لم يعيشوا معاناتها في الميدان ولم تستوعب أذهانهم مشاكلها فكيف لهم أن يديرونها ؟؟ ، ولك أن تتخيل أيضا خبو روح المنافسة والتقدم للمعلمين المميزين الراغبين في تقديم أعلى ما لديهم من إمكانيات إدارية وفنية من خلال عمل إداري وقيادي ناجح ، وذلك حتى يحتفظوا بعلاوة التعليم 100% المخصصة لمعلمي الغرفة الصفية – على حد تعبير "إعادة التعريف" – وإعطاءه علاوة إدارية 20% فقط ، مما سيسمح لمن لم يكن يوما ما معلم ( سكرتير , أمين عهدة , محاسب , ... ) أن يصبح مديرا للمدرسة أو قائد تربوي في المديرية ، فكيف يستطيع أن يدير عمله فنيا ؟؟
أما الرسالة التي قرأتها النقابة بهذا التعديل المجتزء فهي : العمل على شق وتفتيت جسم النقابة إلى ثلاث نقابات صغرى : نقابة للإداريين ونقابة لمعلمي القطاع الخاص ونقابة ثالثة لمعلمي القطاع العام ، مما يضعف من أثرها ويحد من دورها الناظم للمهنة ، وما إصرار بعض مسوقي هذا التعديل وتغاضيهم عن الآثار الفنية آنفة الذكر إلا دليل صحة أو حتى منطقية هذه النظرة .
بالرغم من أن قانون التربية والتعليم يحوي العديد من مواده الإيجابية غير المفعلة ، منها على سبيل المثال لا الحصر : المادة ( 5 ) التي أكدت بها على أن عملية التعليم رسالة ومهنة لها قواعدها الخلقية والمهنية ، والمادة ( 6 ) التي تؤكد إشراف الوزارة على جميع المؤسسات التعليمية الخاصة بما يكفل تقييدها بأحكام القانون ، والمادة ( 26 ) التي تنص على أن تبني الوزارة الفرص والوسائل للعاملين في المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة لرفع مستواهم العلمي والتربوي ، إلا إنه ما زالت هذه المواد طي التعطيل ، فلم يصدر حتى اللحظة نظاما لمزاولة مهنة التعليم لينظم المادة (5) ولا حتى نظاما للاشراف على المؤسسات التعليمية الخاصة – والتي طالبت به النقابة إبان إضرابها الأخير – لينظم المادة (6) ، ولم يتم العناية بمعلمي الدبلوم في القطاع الخاص وتبني رفع مستواهم العلمي عملا بالمادة (26) بل على العكس فقد تم إصدار قرار مؤخرا يوقف تعيين حتى ذوي الخبرة العملية منهم ، كل هذا ونحن ننظر إلى التعميمات – التي تصدر بين الفينة والأخرى بناء على القانون – سريعة التغيير وتخضع لتفكير صاحب القرار وتوجهاته ، وهذا ما كان يمكن تلافيه عندما يفسر القانون بأنظمة محكمة وليس تعليمات متسرعة .
كما ونص القانون أيضا على وجود (3) أمناء عامين لقيادة الإطار الفني والتربوي للوزارة ، ولكن ومنذ سنتين والوزارة تعمل بأمين عام واحد فقط يدير الملفات الإدارية والفنية الهائلة ويشارك في عضوية أكثر من 40 لجنة وزارية بين فنية وإدارية، فهل هذا معقول من الناحية الفنية والكفاءة ؟؟
وما زالت المادة (2) المتعلقة بالتعليم الثانوي والفصول المتعلقة بـ"جهاز الوزارة " والمناهج والكتب وتنظيم المؤسسات العلمية والخاصة والأجنبية والمواد المتعلقة (التنظيم الإداري) ، والمادة (3) المتعلقة بالتنمية المهنية ، والمادة (8) المتعلقة بأسس صرف المكافئات ، والمادة (9) والمتعلقة بالتعليم الأساسي والمواد (16-17) المتعلقة بتقييم الأداء ، – وغيرها من المواد – تخضع إلى تعليمات وأسس تتغير وتبدل حسب قناعات القيادة السياسية في الوزارة ، وهو ما يجب النظر إليه بمنطق جديد ليتواءم مع المعطيات والمتطلبات للنهوض بالتعليم .
ومنذ سنوات أوعزت الحكومة للوزارة بإعادة النظر في قوانينها ، كما وشكلت الوزارة عدة لجان رسمية لإجراء تعديلات– ولأكثر من مرة – وتعاقبت عليها العديد من الشخصيات القانونية والفنية ، إلا أنه – وللآن – لم يرى تعديل قانون التربية والتعليم النور ، كما واعتبرت التوجهات الملكية السامية نقابة المعلمين الأردنيين جسما مؤسسيا جديدا يجب العمل على مراعاته في التشريعات وإشراكه في البنية التربوية والفنية ، إلا أن الوزارة ما زالت تراوح مكانها في هذا المجال ، ولم يتم حمل هذه التوجهات الملكية الطموحة على محمل الجد .