الأردن الخندق الأخير في مواجهة الإرهاب
لا ندري كيف يستعد الأردن، وكيف يتحسب، من خطر الإرهاب، الذي يحيط به من كل جانب، بل وينفذ لداخله كسهم طائش، ينبه إلى أن المملكة التي ظلت ملاذا آمنا للهاربين من ساحات القتال أو جحيم التطرف، لم تعد آمنة على نفسها، بالرغم من كل التطمينات، وكل الاحتياطات.
ففي إرهاب منفلت، وقتال مستعر، شمال وشرق الأردن، لا شيء مضمون. ولا معطيات واضحة. والأردن الذي قيل إنه كان منذ تأسيسه ككيان سياسي مستقل، يمارس دورا وظيفيا أهّله للتعايش مع أزمات المنطقة، بل والاستفادة منها، بات اليوم الخندق الأخير، في مواجهة الإرهاب الذي يتحرك في كل اتجاه، ويضرب بكل الأشكال.
وصول تنظيم داعش إلى مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار المحاذية للحدود الشرقية للأردن، وتمدده باتجاه حدوده الشمالية مع سوريا، يثير علامات استفهام كبيرة لدى الأردنيين، حول ما إذا كان بلدهم لا يزال خطا أحمر لا يجوز للإرهاب، أن يتجاوزه، أو يتعداه. وعما إذا كان التحالف الذي يحارب التنظيم لديه الإرادة والقدرة لحماية الأردن والدفاع عنه؟
فالتحالف الذي بدأ منذ ما يزيد على العام غارات متواصلة على التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا، ما يزال رغم القعقعة، غير قادر على حسم هذه المواجهة التي يفترض بداهة، أنها تميل لصالح الحلفاء. الأكثر عدة، وعتادا، وقدرة وإعدادا.
وبالقياس، فإن، الأردن لا من حيث الامكانيات العسكرية ولا الظروف الاقتصادية، قادر لوحده، على امتصاص حمم البركان التي تتدفق عليه من كل حدب وصوب، خاصة بعد أن أصبحت همومه جزءاً من هم عام تعيشه المنطقة برمتها، وبعد أن كثر “الطباخون” الذين يحاولون فرض مذاقهم، لا مذاق أصحاب البيت.
الأردن وهو على أعتاب الخطر لا يدفع فقط ثمن فشل التحالف في الحسم العسكري، بل فشل القوى الدولية والإقليمية في الاتفاق، على آليات عمل سياسي. يفضي للحسم ومن ثم الحل.
فمن الواضح أن تنظيم داعش لم يستفد فقط من الأخطاء العسكرية التي وقعت فيها القوات المدافعة عن الرمادي، ومن قبل عن الموصل وغيرها من مناطق العراق وسوريا التي تمدد فيها، بل استفاد أيضا، من الخلافات السياسية الإقليمية، عندما حاولت الأطراف المختلفة استخدام التنظيم كورقة سياسية، تّلوح بها في أي معالجة، لأوضاع الإقليم برمته.
فإيران التي تملك اليد الطولي، في العراق كانت تتحرك بدافع تعزيز دورها، أكثر من رغبتها في محاربة التنظيم، وكان هدفها الأول ضرب الأطراف المناهضة لها، وتحت مظلة محاربة الإرهاب، جعلت من التنظيم المتطرف ستارا لتصفيات وتطهير مذهبي وصل حد حرمان شرائح مذهبية من العراقيين من حرية التنقل في بلدهم. ولعل الدور الذي قامت به بعض المليشيات الموالية لإيران، دليل على التأثير المدمر للجهود التي كان يقوم بها التحالف لمحاربة داعش. ولذلك لم يكن غريبا أن تتردد قوات التحالف في تقديم الدعم والاسناد الجوي للقوات والمليشيات في بعض مراحل قتال التنظيم، وذلك عندما وجدت أن هذا الإسناد يهدف إلى تشديد قبضة المليشيات على بعض المناطق ذات الأغلبية السنية أو لتصفية حسابات معها.
الأمر الآخر أن الدعم الإيراني لبعض المليشيات التي تتحرك مذهبيا ترك أثرا في دول الجوار العراقي. فالقوى الإسلامية في الأردن وفي دول الخليج التي وقفت موقفا مناهضا لتنظيم الدولة الإسلامية، وجدت أن ما تقوم به إيران في العراق، لا يستهدف مقاومة التطرف بقدر ما يهدف إلى إقصاء او اجتثاث المكون السني. الأمر الذي دفع تلك القوى إلى تغيير نسبي في موقفها، من موقف مناهض للتنظيم المتطرف إلى موقف متعاطف، بل وأحيانا متبنٍ لبعض الطروحات، والأدبيات مما أربك جهود الأردن ودول الخليج، للانفتاح على التيارات الإسلامية، التي كانت تصنف تقليديا بتيارات الاعتدال. وجعلها تتردد في فتح معاركها المؤجلة مع القوى الحاضنة للتطرف أو التي كانت مصادر إلهام فكري له.
الأردن بإمكانياته المحدودة يجد نفسه جزءاً من معادلة الإقليم وأزماته. فهو يتحرك في مواجهة التطرف وتجنب ارتداداته، فوق حبل مشدود من السجال السياسي، والتردد العسكري. والتزامن بين ما جرى في مدينة معان جنوب الأردن، والتي انتهت بإقالة أو استقالة، وزير الداخلية وقيادات أمنية رفيعة، والتمدد الذي أوصل داعش لاحتلال عاصمة محافظة الأنبار المحاذية للأردن، بالغ الدلالة. حيث يبدو الأردن، في ظل المعطيات التي أفرزها التطور العسكري الأخير غير قادر على توفير الحماية الذاتية من خطر التنظيم، فهو لا يستطيع أن يخوض حربا استباقية ضرورية لأمنه وحدوده، حتى لا تستثمرها إيران والقوى العراقية المتحالفة معها لمزيد من التصفيات المذهبية في العراق، وحتى لا تفتح معركة مؤجلة مع القوى الإسلامية الأردنية التي قد تتحفظ على مثل هذه الحرب.
الأردن مرة أخرى في عين العاصفة، في حرب غير تقليدية، قد لا تنجح البراعة الدبلوماسية الأردنية المعروفة، هذه المرة، في تجنبها بعد أن أصبح رهينة لأوضاع إقليمية ودولية، لا يملك دفة توجيهها.**رئيس تحرير شبكة إرم الاخبارية