الزمن الشاذ !

كل منا يحتاج لمن يحركه او لما يتحرك من اجله . ثمة من يحركه عقله فيصطدم باللامعقول السائد الآن في الوطن العربي . وثمة من يحركه قلبه فيرتطم بكتلة في الصدر يسمونها القلب لكنها لم تعد سوى مضخة للدم تمكن من العيش لا الحياة . وثمة من يحركه جيبه فيصبح لكلمة صباح الخير ثمن ولمساء الخير مقابل مادي وللبسمة التي هي « في وجه اخيك صدقة « رقم في البنك ، علما ان البنك نفسه مفلس . تسود الآن ثقافة «الجهل بالشيء افضل من العلم به» . فكثير مما تعرف يصيبك بالصدمة . تتمنى الا تعرف لتحفظ توازنك في عالم ليس فيه ثابت الا المتحرك .كل شيء يتحرك بل يهتز وبعضه يرقص كالذبيح او رقصة الفرح المُر التي رقصها انتوني كوين في فيلم «زوربا» عن قصة الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس. البعض يسقط والبعض يتشبث بخيوط واهية وكل من عليها ساقط لا محالة ولا محل يأوي اليه سوى الهاوية . لكأننا نعيش داخل علامة استفهام كبيرة .
اسئلة تلد اسئلة وتساؤلات اجابتها تساؤلات ولا اجابات سوى « ما بعرف «! لماذا ترتفع الاسعار ؟ متى راتب آخر الشهر ؟ من سيغادر منصبه ومن سيأتي مكان من ؟ لماذا فلان وليس علان ؟ طبعا هناك من يدعي انه ابو العريف ، ذاك الذي يعرف كل شيء وهو في الحقيقة لا يعرف شيئاً . وحين تظهر حقيقة ما لا يتصبب جبينه عرقاً ولا يخجل . يبتسم ويدعي انه كان يعرف لكن حرصه على المصلحة العامة منعه ان يفشي السر! ويواصل «فضيلة» الكذب . بلى ، اصبح الكذب فضيلة والصدق ليس منجاة من النار التي تحرق اليابس قبل الاخضر . الكذب لم يعد ملح «بعض» الرجال والنساء بل خبزهم و لحمهم ودمهم .صبحهم ومساءهم وما بين شفاههم، تلك القطعة التي يسمونها اللسان .
هي القطعة التي حذر منها الرسول (ص) بقوله : وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم ؟ « . نحن في زمن كاذب لا حقيقة فيه الا ما تخفي القلوب وتخاف منه العيون . المسؤول يكذب، الاب يكذب الام تكذب ، الابنة تكذب . وقد اعطوا الكذب اسماء والبسوه عباءات وربطات عنق وجينزات «لو ويست « تكشف عن لون الملابس الداخلية للفتيان والفتيات على حد سواء الى حدود مقرفة مخجلة . اصبحت الخيانة امراً عادياً، الاحتيال شطارة، النفاق ضرورة، الاستغلال حداثة والنميمة فاكهة الحديث ! «عادي»..اصبحت كلمة عادية حين تحدثه مستغرباً عن فضيحة او تصرف مشين، او اختلاس مريع، او رذيلة مقنعة، او عن اقنعة الشرف التي يضعها على وجوههم المنافقون . انه الانهيار الاخلاقي الذي يصيب الامم في العظم و يتسلل الى النخاع . هو السم الذي يقاتلون الامة به تارة باسم الدين من خلال « داعش» واخواتها وتارة باسم « الحرية « . فمن كان يصدق ان عصابات بلاك ووتر مرتزقة جورج بوش يسيطرون على نصف سوريا وربع العراق، هل نتخيل ان بلاد الامويين والعباسيين صارت مشاعا لشذاذ الافاق واتباع الشيطان ؟ وهل كنا نتخيل ان يعقد في عمّان اجتماع للشاذين جنسياً برعاية السفيرة الأميركية؟ تباً لهكذا حرية، سحقاً لهكذا ديمقراطية !!
(الدستور 2015-05-30)