الحكومة تفشل في «النزاهة الوطنية»

في نهاية عام 2013 وجه رأس الدولة بأمر ملكي واضح وحازم السلطات الثلاث في البلاد الى تنفيذ ميثاق النزاهة الوطنية الذي قامت على اعداده لجنة ملكية جالت محافظات المملكة، واستمعت الى نبض المواطنين ومطالبهم، وامنياتهم، يومها قلنا ان المشكلة في التنفيذ يا جلالة الملك.
أمس، كشف برنامج راصد للشفافية الحكومية عن أن 23 % من أصل (68) التزاما تضمنتها خطة منظومة النزاهة الوطنية التي تعهدت الحكومة بتنفيذها خلال الفترة من 2014-2016، لم يتم العمل بها حتى الآن.
هذا بالضبط ما توقعناه، فلا احد يشكك في الارادة السياسية لمحاربة الفساد، وتبني ميثاق النزاهة، لكن المشكلة تكمن في كيفية تعامل عقل السلطات الثلاث مع هذا الامر الملكي، لاسيما ان التجارب غير مشجعة في مراحل سابقة، لان في عقول بعض السلطات الثلاث، وفي عقول بعض رجالات البطانة، ان لا يتقدم الاصلاح الشامل خطوة في البلاد، لان مصالحهم الخاصة تتعارض مع هذه الشفافية والنزاهة.
ليس هناك ما يغضب الأردنيين جماعات وأفرادًا، اكثر من ظواهر الفساد المرتبطة بعناوين معروفة جيدًا لشركات استثمارية، ومصالح احتكارية واقتصادية واسعة وشخصيات رفيعة المستوى.
عناوين مكافحة الفساد كلها سوف تبقى حبرًا على ورق، ان لم تستجب للملفات التي يتحدث عنها الضمير الشعبي يوميًا، بِدءًا من الملف المعلق "الفوسفات والكردي"، الى ملف بيع الضمان لاسهم بنك الاسكان، ولن يقبل الوجدان الشعبي ان يتم التعامل مع هذه الملفات كما تم التعامل مع ملفات اخرى.
لا اقول ان ملف بيع اسهم الضمان في الاسكان، ملف فساد، وليست لدي "القصة الكاملة" حول القضية، ولا اقول انها "مزعومة" لان القضاء السويسري سوف يحسم القضية، لكن طريقة النفي التي قام بها الاشخاص المعنيون في القضية لا تشفي الغليل، وايضا صمت الحكومة، مريب.
لنتذكر انه تحت الضغط الشعبي المتواصل لمحاسبة الفاسدين والمسؤولين عن هدر المال العام، ومن أجل استعادة الاموال المنهوبة للخزينة العامة للدولة، بدأت مرحلة جديدة من التعامل الرسمي مع الملفات الساخنة.
لا أحد ينكر حجم الارتياح الشعبي العام لاستجابة الحكومة والجهات المعنية للمطالب الشعبية بالكشف عن ملفات الفساد ومحاسبة المسؤولين، الذي سوف يريح اكثر ويسجل هدفا مباشرًا في اجندة الاصلاح الشامل، عندما تكون هذه المحاسبة علنية أمام الجميع من خلال وسائل الإعلام بأطيافها كافة.
وسوف يتعزز يقين الاغلبية الساحقة بان معركة مواجهة الفساد قد انطلقت فعلًا، عندما تأخذ هذه السياسة مجراها، وتعتمد استراتيجية ثابتة في برامج عمل الحكومة الحالية والحكومات التالية، وأن لا تقتصر على إثارة زوابع في وجه المطالبين بمحاربة الفساد حتى تهدأ، او تقديم ضحايا من الوزن الثقيل أمام الرأي العام، لاننا تعبنا من الحديث عن الفساد، ولا نرى فاسدين خلف القضبان.
صحيح ان الايقونات التي جيّرت من اجل مصالحــــــها القوانيــــــن الاقتصاديــــــة لا يجب ان تبقى مقدّسة ومستبعدة عن المحاسبــة ولكن العدالة تقتضي الشمول والتعمــــيم وعدم انتـــــقاء الشخصيات الأقل تكلفــة، عشائريًا واجتماعـــيًا، بحيث تكون مَسْطرة المحاسبة واحدة، لا تفـــــــرق بين شخــــص وآخــــــر.
المأزق الكبير لجهود مكافحة الفساد يتمثل في دفع جهود المكافحة تجاه حصرها في التشهير بحالات فساد فردية محدودة، علاوة على الوقوع في فخ التسييس وتسوية الحسابات لتسقيط هذا وترفيع ذاك.
(العرب اليوم 2015-06-02)