منظومة النزاهة والتلكؤ الحكومي!

صادمة كل الأرقام التي كشف عنها برنامج "راصد" للشفافية الحكومية. وهي تعبر بشكل مباشر عن اختلال أولويات الحكومة حيال التشريعات والجهد السياسي المبذول للوفاء بتعهدات وشروط النزاهة الوطنية، بمعناها الاقتصادي والقانوني.
في البدء، لم يتم العمل مطلقا بربع الالتزامات التي تضمنتها خطة منظومة النزاهة الوطنية التي تكفلت الحكومة بتنفيذها العام الماضي 2014. ومن إجمالي 68 التزاما، أتمت الحكومة على نحو كامل ما نسبته 12 % فقط من هذه الالتزامات، في حين تحققت بدرجة بسيطة جدا ما نسبته 38 % من الالتزامات، وجاءت النسبة المتبقية ضمن مستويات تطبيق متوسطة.
نجم عن ذلك عدم نجاح الحكومة خلال عام مضى، في إيجاد أطر تشريعية أو تنظيمية أو تنسيقية بين مؤسسات عدة، منها ديوان المحاسبة وديوان المظالم وهيئة مكافحة الفساد. في المقابل، لم تقم الحكومة أيضا بتأسيس قاعدة بيانات مشتركة بين الجهات الثلاث، وسط ضعف المبررات التي سيقت لتفسير هذا الفشل. وثمة علاقات غير إيجابية يغلب عليها الطابع البيروقراطي، في مسائل تخص هوامش العمل بين تلك المؤسسات.
في السياق ذاته، لم تف الحكومة العام الماضي بتحسين مستوى الخدمات في الأطراف، ومساواتها بالمركز. وهو تعهد جاءت به الحكومة ضمن منظومة النزاهة. فخدمات البنية التحتية، ومثلها العلاجية والخدمات ذات الصلة بهموم الأردنيين ما تزال دون المستوى المنشود في الأرياف والبوادي، ومعظم المناطق البعيدة عن العاصمة عمان. وكان جاء هذا التعهد عقب اتهامات للأداء الحكومي في سنوات وعقود ماضية، بأن عمان هي الأردن، وأن الأردن هو عمان، بتركز الثروة والعوائد والضرائب والخدمات، بما فيها البنى التحتية الكبرى، في جهات عمان الأربع. ولعل هذا الفشل بكل تفاصيله المتراكمة يفسر احتقان بعض مناطق الأطراف ضد الحكومة المركزية.
غير أن التعهد أو الالتزام الأكثر دلالة على ضعف أداء الحكومة هنا العام الماضي، يكمن في عدم إنجاز أي شيء فيما يتعلق بمشروع الحكومة الإلكترونية. فالمشروع شبه معطل، ولا يوجد بارقة أمل بشأنه. وتتذرع الحكومة بأنها لا تستطيع فعل الكثير في هذا الشأن، كون معظم المؤسسات الحكومية ارتبطت بشركات غير كفؤة في هذا المجال، كما أن معظم الموظفين الذين انخرطوا في مضمار الحكومة الإلكترونية ليسوا مؤهلين بالأساس لحمل عبء هذا المشروع. وفي كل الأحوال، تبدو التبريرات واهية، في هذا الوقت قطعت دول عربية أشواطا في الحكومة الإلكترونية، وسجلت اختراقات تكنولوجية تسرّع من مستوى الأداء الاقتصادي، إذ تتيح الفرصة للمستثمرين للاستفادة من التسهيلات المتاحة، وتجاوز عثرات الجهاز البيروقراطي وتكاسله، وحتى فساد في بعض الأحيان والحالات.
عندما تخفق الحكومة الحالية -أو أي حكومة- في تنفيذ التزامات منظومة النزاهة الوطنية، وتتعثر في مد جسور التنسيق والتشريع المستندين إلى التعاون والمرونة، علاوة على الفشل في بناء قاعدة بيانات بين مؤسسات تتشابه في أدوارها ومثل ذلك بخصوص عدم الوفاء بتعهدات المساواة بين الأطراف والمركز في الخدمات، أو المضي في مشروع الحكومة الإلكترونية الذي اقترب من عشرين عاما على بدء الحديث عنه؛ وكل ما سبق حدث في عام مضى، فإن المرء يتساءل عن كل هذا الترويج لنجاح الحكومة وتحقيقها اختراقات في "استطلاعات الرأي"، و"رضى الشارع عنها"، كما عناوين فضفاضة عن اختراق اقتصادي هنا أو هناك، بينما هي (الحكومة) بالكاد تستطيع أن تفي بأقل القليل مما تعهدت به على الملأ من شروط والتزامات منظومة النزاهة.
(الغد 2015-06-02)