لماذا الصمت عن الخطر التركي

إذ نؤكد، ابتداء على حق العرب في كل شبر محتل من أراضيهم، سواء كان محتلًا من ايران او تركيا أو العدو الصهيوني، فإننا نتساءل بدورنا، لماذا يركز بعضهم على الخطر الإيراني، متجاهلًا تجاهلًا تامًا كل حديث عن الخطر التركي.
ولا يقتصر هذا التساؤل على تيارات معروفة، بل يمتد إلى أوساط يفترض أنها قومية، ولا تفرق بين شبر تحتله ايران وشبر تحتله تركيا أو كينيا "تحتل أرضًا صومالية".
إذا تجاوزنا المعارضة السورية وبعضها "قومي" فأمرها وأجندتها معروفة ومكشوفة، لماذا لا يتحدث أصحاب الرؤوس الحامية ضد الخطر الإيراني، عن الخطر التركي الذي يحتل الإسكندرون "مساحة تعادل خمس دول عربية على الأقل"، ناهيك بـ ديار بكر، ولماذا لا يشيرون إلى "الخريطة التركية الكبيرة" المعلقة في المركز الجغرافي التركي، وتضم حلب والموصل.
والأخطر من ذلك كله، مشروع التوسع العثماني الجديد الذي ينظر إلى سورية كمجال حيوي وولايات عثمانية كما تتعامل ايران مع العراق بالمنطق نفسه، وكما تسعى "إسرائيل" إلى تحويل الضفة الغربية والأردن إلى مجال حيوي لها.
إن المنطق القومي الحقيقي الديمقراطي الحضاري الراقي والخالي من أية رواسب أو كراهيات مذهبية مخزية وشائنة ومعيبة "سنية وشيعية… إلخ" يفترض أن ينطلق من المصلحة القومية والأمن القومي ضد كل الأخطار التي تهدد الأمة، وعليه أن يتحدث عن الخطر التركي العثماني كلما تحدث عن الخطر الإيراني، وعن الطورانية التركية كلما تحدث عن نزعات إيرانية توسعية.
ولا يجوز لأي مثقف أو سياسي قومي عربي يحترم الأمم والقوميات الأخرى أن يهاجم هذه القوميات بحد ذاتها.
فالأتراك والفرس قوميات شريكة في التاريخ والجغرافيا، والمفترض أن نعبر عن اختلافنا مع الأنظمة الحاكمة فيها كلما تعارضت مع مصالحنا، فيصبح من حق أي كائن أن يعلن موقفًا ضد نظام ولاية الفقيه، أو ضد الجماعات الطورانية التركية سواء كانت علمانية أو إسلامية، ولكن لا يجوز أن نفتح معركة على الشعب التركي أو على الفرس الذين استبدلوا المجوسية أول ما استبدلوها بالإسلام السني، وظلت فارس أكبر مراكز السنة في العالم حتى القرن السادس عشر، وهي التي ساهمت في تحرير القدس في المرة الثانية من الغزو "الصليبي"، واستكملت ذلك بتحرير الساحل الفلسطيني كله بعد أن اضطر صلاح الدين للتنازل عنه في صلح الرملة.
وعندما كانت فارس مركز أهل السنة والجماعة كانت بغداد والقاهرة وحواضر الشام مراكز التشيع الفاطمي، وقدمت أهم شعراء وعلماء الأمة "المتنبي والمعري والفارابي"، وكانت المعادلة القومية – الأيديولوجية بل ان الدولة الفاطمية، كانت آخر دولة للعرب الذين خضعوا بعدها لقوميات غير عربية سنية، أكراد ومماليك وأتراك ولعدة قرون.
(العرب اليوم 2015-06-03)