بين الإسلام والمسيحية الغربية

نحن نعيش تاريخيا في حلقة من سلسلة من الصراع الطويل الذي بدأ بظهور الاسلام، واستمر باشكال دورية متعاقبة تغطي الحقب الزمنية منذ ظهور الاسلام الى وقتنا هذا، ويتجلى ذلك منذ البدء في محطات تاريخية عبر معارك دومة الجندل، وذات السلاسل، ومؤتة وتبوك.وقد ازداد موقف البيزنطيين الذين كانوا في بلاد الشام وشمال افريقيا عدوانية وهجومية على اراضي المسلمين بعد وفاة الرسوم محمد صلى الله عليه وسلم، وتدفق الغزوات الاسلامية على البلاد التي يسيطر عليها البيزنطيون.
وبعد اخراج البيزنطيين من اسيا واجزاء من افريقيا في عهد الخلفاء الراشدين. ومن بعدهم الامويون زمن معاوية بن ابي سفيان مؤسس الدولة الاموية، وعهد عبدالملك بن مروان وبنيه؛ خاصة الوليد وسليمان.
وبعد الامويين جاء العباسيون وحاربوا البيزنطيين وبعدهم جاء السلاجقة، وانتصر السلطان السلجوقي "الب ارسلان" انتصارا ساحقا على البيزنطيين في معركة "ملا ذكرد عام 463هـ"، مما اوقف هجماتهم المضادة على ارض المسلمين. وبعد عدة قرون تم سقوط الدولة البيزنطية على يد العثمانيين.
وفي اسبانيا حيث قامت الدولة الاموية الاسلامية في جنوب البلاد وظلت في صراع مع الاسبان في الشمال الى ان انتصر عليهم المرابطون المسلمون القادمون من دولة المرابطين في المغرب في معركة الزلاقة عام 479هـ. ومن بعد المرابطين جاء الموحدون الذين انتصروا على الاسبان في معركة الارك عام 591هـ التي حقق فيها المسلون انتصارا باهرا.
وبسبب ضعف الدولة الاسلامية في الاندلس وانقسامها الى ممالك وولايات متخاصمة، والتصارع الطاحن فيما بينهم تمكن منهم الاسبان الذين تمثلوا في السلطة، والكنيسة، ومحاكم التفتيش، وسقطت غرناطة التي كانت آخر معاقلهم في الاندلس، وانهوا الوجود الاسلامي في اسبانيا.
والحركة الصليبية جاءت امتدادا للصراع الديني: المسيحي- الاسلامي كما اسفلنا. وهذه الحركة الاستعمارية الصليبية التي اصطلح على تسميتها بالحروب الصليبية، ولدت في غرب اوروبا، واتخذت شكل هجوم مسلح على بلاد المسلمين في الشام والعراق والاناضول ومصر وتونس، لاستئصال شأفة الاسلام والمسلمين والقضاء عليهم. وقد تجذرت هذه الحركة غرب اوروبا في اوضاع دينية اجتماعية وفكرية واقتصادية وسياسية؛ عمت غرب اوروبا في القرن الحادي عشر الميلادي واتخذت الدين وقودا لتحقيق اهدافها.
يخطئ من يقول: ان الحركة الصليبية تنحصر في المدة من 1095م 488هـ الى 1291م 690هـ!.. وانما هي حركة قديمة جديدة ما زلنا نعيشها حتى عصرنا هذا!؟ وهي تخلع جلدها وتتلون وتتغير حسب مقتضيات الزمان والتطور الانساني الدائم الحركة الى الامام. ولسنا نحن العرب والمسلمين ببعيدين عن تهديد الرئيس الامريكي بوش الابن للامة العربية والاسلامية بعد احداث 11 سبتمبر 2001م بانه سيشنها حربا صليبية جديدة على الاسلام والمسلمين.
والحركة الصليبية منذ بدئها في القرن الحادي عشر الميلادي ارتبطت مع الغرب الاوروبي بحلف دفاعي استراتيجي وفر لها كل اسباب الدعم المادي والمعنوي بعد نجاح الحملة الصليبية الاولى وتأسيس امارات صليبية في الشرق العربي. وهذا الدعم وفر لتلك الامارات الحماية اللازمة وسط المحيط الاسلامي المعادي. تماما كما هو الحال في اسرائيل التي زرعها في فلسطين الغرب الاوروبي بما فيه بريطانيا وامريكا. وما زال يحميها ويقدم لها الدعم الشامل على الدوام في وسط عربي اسلامي يعاديها.
والكيان الصليبي في الشرق العربي على المدى البعيد ورغم الاعتماد على الغرب الاوروبي بدأ يتراجع امام العمل على دحر الانقسام الاسلامي على يد نور الدين زنكي الذي احيا مشروع ابيه عماد الدين زنكي لتوحيد الجبهة الاسلامية ضد الصليبيين. وهو المشروع الذي استكمله صلاح الدين الايوبي، ونجح في انهاء الحروب الصليبية.. فنور الدين زنكي نجح في استغلال الظروف التي اعقبت الحملة الصليبية الثانية ونجح في توحيد الشام تحت قيادته، ومهد الطريق لصلاح الدين الايوبي ليكمل المشوار.
ان الضمير العربي الجمعي يرفض ما جرى ويجري في المنطقة من قتل ودمار وخراب وتهجير، يهدف الى تفكيك المنطقة وتقطيع اوصالها. ومجموعات المسلحين في مناطق الحرب جميعها تقوم بتنفيذ تعاليم اجندة خارجية واقليمية تشرف عليها الدول الراعية للحرب: امريكا واسرائيل وتركيا والغرب والرجعية العربية، وكلهم لا يريدون الحلول السياسية واحلال السلام والامن والاستقرار في المنطقة، وانما الابقاء على الحرب مشتعلة الى ما لا نهاية!؟ ويؤيدهم في ذلك مافيات السلاح في العالم التي تحول دون تحقيق التسوية السياسية بين الفرقاء المتصارعين!
(العرب اليوم 2015-06-08)