معان الساطعة

يحزنك أن ترى الثروة والكنوز، وترقب بشأنها الإهمال والتيه. وتبدو العلاقة بين الجغرافيا والإنسان في الأردن سلبية، لاسيما في الأطراف؛ بفعل تقصير مزمن. إذ لم يتمكن القطاعان العام والخاص من تأسيس مجتمعات إنتاجية وديمقراطية وتنموية على المستوى المحلي، قادرة على النهوض بأعبائها، ومن ثم أعباء الدولة.
يحظى الأردن بإشعاعات شمسية تزيد على 2000 كيلوواط/ ساعة، لكل متر مربع سنويا في معان. ويعد ذلك من أعلى النسب العالمية. وإذا علمنا أن محافظة معان تشكل أكثر من ثلث مساحة المملكة، فإن ثروة الشمس على امتداد هذه الرقعة، وبهذه الوفرة، ينبغي أن تكون أولوية كبرى في اهتمام الدولة ومخططيها وشركاتها الاقتصادية ومصارفها. والمشروع الذي أعلن عنه أمس، تحت اسم "شمس معان"؛ ويسعى إلى توليد الطاقة الكهربائية بقدرة تصل إلى 52.5 ميغاواط باستخدام الخلايا الشمسية، لإنتاج طاقة نظيفة مصدرها الشمس في صيف العام المقبل، يشكل خطوة على طريق الاستفادة من هذه الثروة التي كانت منسية ردحا من الزمن، وقبلها إنسان المكان.
بالمناسبة، فإن الشركة التي تقوم بالمشروع تمثل شراكة يابانية-قطرية-أردنية (ميتسوبيشي ونبراس وقعوار)، بحجم استثمارات يبلغ 170 مليون دولار، والنسبة الأقل في رأس المال تعود للجانب الأردني. وبدل أن نرى بنوكا أردنية كبيرة في مقدمة الممولين والراعين لتوليد الطاقة في واحدة من أضخم المحطات بالمنطقة، نجد أن بنك اليابان للتعاون الدولي، وبنك ستاندرد تشارترد، ومصارف أخرى غير أردنية، مولت هذا المشروع الذي يبحث عن الطاقة في أكثر من 681 ألف لوح شمسي في معان، وليتمكن الأردن بموجب ذلك من إنتاج 20 % من الطاقة الشمسية المستهدفة، فيسهم كل ذلك في إيجاد حلول حقيقية لأزمة الطاقة المتفاقمة في البلاد.
في مستهل هذا الأسبوع، ذكر البنك الدولي أن البطالة في محافظتي معان والطفيلة هي الأعلى في الأردن. إذ بلغت في معان أكثر من 15 %، مقارنة مع بطالة في عمان بنسبة
10 %. والمأمول أن تكون مشاريع الطاقة، على اختلاف أشكالها، سببا في تشغيل الشباب الباحثين عن فرصة حياة في الأطراف. والمأمول أكثر أن يلتفت رجال الأعمال والمسؤولون الحكوميون إلى معاناة الشباب في الأطراف، ويحاولوا أن يقدموا لهم وللاقتصاد وللتنمية ولمؤسساتهم، النفع والخير.
ثمة نموذج آخر على العلاقة الاقتصادية السلبية بين المكان والإنسان في المحافظة ذاتها التي تضم أعجوبة من أعاجيب الدنيا. ففي لواء وادي موسى، يتجاهل الجميع وجود البترا؛ ذاك الكنز النبطي الكبير، وليركض البعض خلف وهم الربح السريع عبر إعادة إنتاج قصة البورصات الوهمية، ببيع السيارات وغيرها بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية، وانتظار الثمن بعد أشهر عبر شيكات مؤجلة. والأمر هنا أشبه بمحاولة يائسة للبحث عن بديل اقتصادي. فبعد تأثر السياحة بما حدث في السنوات الأربع الماضية، وإغلاق فنادق ومطاعم ومحلات تحف، لجأ البعض إلى تجارة البيع الآجل، في غفلة من رقابة الحكومة التي استفاقت مؤخرا، ونفذت حجزا تحفظيا على متعاملين في هذه التجارة، وفتحت تحقيقا في الملف الذي يشغل بال سكان وادي موسى، ويمس حاضرهم ومستقبلهم الاقتصادي، وسط مخاوف من ضياع الأموال.
النجاح في التخطيط الاقتصادي يعني الأمل. وعكسه هو اليأس والإحباط، والبحث عن الحلول السريعة في مواجهة الواقع الصعب.
(الغد 2015-06-09)