من الإنكار إلى التحايل

لا يريد بعض المتحمسين وبنوايا حسنة لربيع الاسلام الامريكي، أن يصدقوا ان ما حدث ليس "ربيعا عربيا ديمقراطيا مدنيا" من أجل وطن عربي دون قهر او فساد، وان للثورات شروطها وأدواتها واحزابها وبرامجها وتحالفاتها وشعاراتها وراياتها ورموزها المختلفة كل الاختلافات عن عوالم الثورات البرتقالية والجماعات الرجعية التي اجتاحت المنطقة، مستفيدة من مناخات الفساد والتبعية والقهر الطبقي والسياسي السائدة.
ومن حالة الانكار والمكابرة التي ميزت هؤلاء المتحمسين وهم غير المتورطين فيها من البرتقاليين والليبراليين والتكفيريين المبرمجين في دوائر الأطلسي واليهودية العالمية، الى التحايل على الذات تحت عنوان "الربيع المغدور"، الذي يحمل جرعة عالية من العزاء والتبرير.
وقد استند الكتّاب الغيورون على شعوبهم وعلى قضية الحرية والديمقراطية الى جوانب نظرية محددة في رهانهم على ربيع تحول عندهم من ربيع واعد الى ربيع مغدور، ومن هذه الجوانب، سياقات ثورة 1848 في اوروبا، وافكار مهندس الثورات الليبرالية، جون لوك، وفاتهم الانتباه الى الملاحظات التالية:
1. إن ثورات 1848 العمالية الاوروبية التي انهزمت وصارت ثورات مغدورة كانت تتويجا او نتاجا لتحولات برجوازية كبيرة ولثورات قومية ديمقراطية نقلت اوروبا عبر الثورة الصناعية من مجاميع ما قبل رأسمالية مذهبية وجهوية الى مجتمعات مدنية مندمجة.
وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى اليوم في البلاد العربية.
2. إن جون لوك، كما اكدنا اكثر من مرة، كان ابن عصره وبيئته، وكانت دعوته لحريات الاسواق كما حريات الأفكار ، دعوة تقدمية في حينه مقارنة بالنظام الاقطاعي ونفوذ اللاهوت الكنسي المرافق له في أوروبا آنذاك.
(العرب اليوم 2015-06-10)