لا تزيدوا توهان الأردنيين

التحليلات والقراءات والتفسيرات الكثيرة التي ازدحمت بها وسائل الاعلام، من صحافة وتلفزة ووسائل تواصل اجتماعي، للاشارات التي وقعت خلال الاسبوعين الماضيين، زادت من توهان الاردنيين، ومنسوب القلق، ولم تشف غليلهم.
لقد استمعوا الى تحليلات عن شكل ومساحة جديدتين للمملكة كدولة سنّية يضاف إليها أجزاء من الأنبار، والى ثأر نطلبه من عصابة داعش، ونحن دولة مدنية لا توجد في قاموسها معانٍ للثأر، وانما دفاع عن السيادة والتزام بالقانون، إلى أن وصل الأمر إلى عَلَم جديد للمملكة بعد أن سلّم رأس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة راية الهاشميين للجيش العربي.
نحن نعيش في زمن جديد ومتغيرات أصابت بنيان المجتمعات، زمن عربي حاولت أن تتفتح فيه جنائن الحريات والمطالبة بالتغيير والإصلاح، لكن هذه الاحلام كلها خطفت من قبل قوى الجهل والاجرام، ونحن في زمن أردني مثقل بالتحديات الكبرى، وفيه يبحث أصحاب القرار السياسي عن كلمة السرّ التي ستفتح على باب التغيير وتلبية متطلبات برنامج إصلاحي بات ضروريًا وملحًّا ولا يحتمل التأجيل.
ليس بالضرورة أن يحمل قرار التغيير (ليس تغيير الحكومات وحده) معاني تغيير السياسات الرسمية القائمة التي أثقلت كاهل المواطن وربّما أفقدته رشده، وتبنّي سياسات إصلاحية جادّة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: لماذا تتفاقم حالة التوتر والتأزم والتوهان على الرغم من تحقيق خطوات إصلاحية لا يمكن إنكار أهميتها؟
ما تمّ تقديمه من إصلاحات وتعديل عدد من القوانين والتشريعات الناظمة للحياة العامة، لم تترافق مع نظم وتشريعات اقتصادية ذات دلالات اجتماعية ومعيشية، تشكّل همّا وكربا يوميا لآلاف العائلات الأردنية. وبهذا الواقع، إن لم يطرأ عليه تغيير جذري، وبقيت السياسات والتشريعات الاقتصادية على حالها، فإن لغما ما سيبقى في حضن الحكومة، لا أحد يعلم متى سينفجر.
لم تجر أية جهة معنية برسم الاستراتيجيات مراجعة شاملة في ضوء المستجدات التي فرضت ذاتها على حياتنا، وأصبحنا "جزيرة" في محيط ملتهب ومتغير.
إن غياب هذا العامل أفقد الحكومة تحديدا القدرة على وضع استراتيجيات واضحة للتغيير في إطار منظومة متكاملة وآليات عمل محددة وواضحة، وظهر بوضوح ضعف المجسات التي تلتقط ردود فعل الشارع، لهذا نخرج من أزمة لندخل في أخرى.
كلمة السرّ الدقيقة التي لا تخطئ هي اعتماد استراتيجية جادّة للإصلاح السياسي والاقتصادي المعيشي والمباشر، فالفئات الفقيرة التي وقع عليها ظلم الجشع والفساد ونهب المال العام وغياب الحريات هي التي يجب أن تتلمّس بيدها منافع الإصلاح، لا أن تدفع ثمنه مرّتين.
الجرأة والشجاعة تقتضيان دفع مستحقات الإصلاح السياسي والاقتصادي من جيوب ومصالح الفئات التي أوصلت البلاد إلى حواف الانهيار.
(العرب اليوم 2015-06-15)