الكباريتي .. علاقة السياسة بالإقتصاد !
المدينة نيوز - خاص - محرر الشؤون المحلية - : ربما كان الرئيس الاكثر اشكالية في العقود الاخيرة، فلم يكن الرجل على وفاق تام مع الشارع كما لم يكن على وفاق تام مع صانعي القرار السياسي، لكن اللافت انه دخل ميدان العمل السياسي في صفوفه الأولى، بدون مقدمات، هكذا يمكن وصف حركة الرئيس عبد الكريم الكباريتي الذي تسلم حقائب وزارية عديدة أبرزها حقيبة الخارجية فيما استلم كذلك حقيبتي السياحة والآثار والعمل في حكومات متعاقبة، قبل أن يتسلم مفاتيح الدوار الرابع في منتصف التسعينات، فالرجل كان تحت المجهر الذي كشف عن مواهبه وإمكاناته التي أهلته لدخول نادي رؤساء الحكومات منذ وقت مبكر.
لا يمكن الحديث عن فترة إقامة الرئيس أبي عون في الدوار الرابع، دون الحديث عن التحديات الكبيرة التي واجهت حكومته، لعل أشهرها ما بات يعرف في الأجندة الشعبية باسم "ثورة الخبز " التي اندلعت عام 1996 وكادت تخرجه من دار الرئاسة .
وفي فترة إقامته في الدوار الرابع أيضا، عمل أبو عون على كسر واحد من اهم التابوهات التي كان الشارع الاردني يعتقد أنها ثابتة، حيث تحولت البوصلة السياسية الأردنية رسميا باتجاه دول الخليج العربي بشكل عام، والكويت بشكل خاص، بعد أن كانت مثبتة في اتجاه بغداد، وهي مهمة لم تكن سهلة على الرئيس الذي كان المطلوب منه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، رغم كل العثرات التي تعترض طريقه، وإذا كان الرئيس لم ينجح تماما في مسعاه في تلك المرحلة، إلا انه استطاع بمحاولته هذه كسر الكثير من الحواجز التي أقيمت في طريق العلاقة بين عمان والكويت.
ولأنه رجل مختلف، كما ينظر إليه زملاؤه من كبار رواد النادي السياسي في الأردن، فقد عرف جيدا أسرار العلاقة الوثيقة بين بوابتي السياسة والاقتصاد في الحياة العامة، لذلك قادته خبرته ورؤيته وقدماه، عند مغادرته لهيلمان السلطة في الدوار الرابع، إلى العمل في قيادة مؤسسة مصرفية هامة في البلاد، التي تعرف اتجاهات البوصلة السياسية وحجم تأثيرها، فكان البنك الأردني الكويتي، ربما بسبب دوره في الانحياز للعلاقة مع الكويت على حساب العلافة مع بغداد.
الرئيس أبو عون الذي ولد في عمان عام 1949 بدأ حياته الوظيفية في القطاع المصرفي الخاص، فيما عمل مستشارا ماليا لعدة سنوات في نيويورك قبل أن يعود إلى عمان ويدخل ميدان العمل السياسي فيها.
خصوم أبي عون وأصدقاؤه على حد سواء ، يعترفون بأن الرجل نجح في كسر العديد من المسلمات في السياسة الأردنية، وقدم نفسه نموذجا مختلفا عن الذين سبقوه، مؤكدا أن السياسة يصنعها رجال الدولة المجربون.
رغم الحديث عن "عقباوية " الرئيس أبي عون وجنوبيته البعيدة، إلا أن الرجل قدم نفسه عمانيا بامتياز، حين صار احد أهم صانعي القرار السياسي والاقتصادي في الأردن.
عبد الكريم الكباريتي ما زال قادرا على إثارة الأسئلة حيثما حل، وهي أسئلة تتخطى حدود المحرمات أحيانا، رغم أن الرجل يملك الإجابات التي يعتقد أنها شافية.
لم يقطع خطوط اتصاله مع الأشخاص والقوى التي تقاطع معهم في المواقف والاجتهادات، وظل مؤمنا بأن الحوار قادر دائما على تقريب المسافات وتحطيم الحواجز النفسية، ويصفه المقربون منه بأنه محاور جيد، ومستمع جيد أيضا، لإيمانه بأن الحقيقة ليست ملكا لطرف دون غيره.
يحرص على هندامه دائما، لذلك لا يظهر أبو عون في الأماكن العامة إلا أنيقا، وهي صورة ارتبطت بالرئيس الشاب الذي دخل بقوة لدار الرئاسة في منتصف العقد الماضي.
درس علم الجيولوجيا في الجامعة الأميركية في بيروت ولم يكمل دراسته فيها، ويتذكر تلك الايام العصيبة التي كادت تودي بحياته في عاصمة كانت اشبه بغابة البنادق، فذهب لدراسة إدارة الأعمال في الولايات المتحدة، وقد حسم الرجل موقفه السياسي منذ وقت مبكر، وظلت عمان حاضرة في وعيه رغم ابتعاده عنها، لذلك عاد عبد الكريم الكباريتي وهو يعرف أن طريقه للسلطة بات معبدا وعليه اختيار البوابة التي يدخل منها، فكان مجلس النواب المحطة البارزة في حياة السياسي الشاب المفعمة نفسه بطموح غير محدود، حيث حجز مقعده في المجلسين الحادي عشر والثاني عشر، وشكل حكومته عندما كان نائبا.