نحو قمة عربية لمكافحة الإرهاب والتطرف

بالرغم من أن الإرهاب أصبح ظاهرة عالمية، إلاّ أن الدول العربية والإسلامية هي الأكثر تضرراً ومعاناة منه. وحسب التقرير الدولي للإرهاب، فإن 82 % من الهجمات الإرهابية كانت في خمس دول، هي: العراق، وسورية، وليبيا، وأفغانستان، وباكستان، ونيجيريا. وخطورة الإرهاب عربياً تتجاوز سورية والعراق، إلى دول مثل مصر، وتونس، واليمن، والصومال، والسعودية التي أصبحت هدفاً للهجمات الإرهابية التي وإن كانت فردية، إلا أنها غاية في الأهمية.
خطورة وبشاعة الإرهاب والتطرف لا تكمنان فقط في أرقام وأعداد الضحايا، على مأساويتها؛ وإنما بدأت تطال أيضاً أسس ومقومات الدولة العربية؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ففي تونس، أخذ الانقضاض على الدولة مدخلاً اقتصادياً، إذ تشكل السياحة مكوناً أساسياً من مكونات الاقتصاد التونسي، وضرب السياحة هي محاولة تقويض للاقتصاد التونسي الذي هو في وضع لا يُحسد عليه أصلاً.
وفي السعودية والكويت، يستهدف الإرهاب النسيج الاجتماعي من أجل إحداث فتنة اجتماعية/ طائفية، من خلال استهداف المكون الشيعي في البلدين. وهو الأمر الذي إن نجح، فسيؤدي الى تقويض أحد أهم أسس السلم الاجتماعي باعتباره ركيزة الدولة الحديثة.
في سورية والعراق، الاستهداف طائفي/ عرقي بامتياز، إذ يتم استهداف الأقليات والمكونات الطائفية كافة، من دون تمييز. وما يفاقم الوضع في هاتين الدولتين، أن هذا الاستهداف وهذه الحرب الطائفية بدأت تقوض أسس بقاء الدولة كوحدة جغرافية سياسية واحدة. والوضع لا يقل خطورة في مصر، حيث يضرب الإرهاب أسس الدولة المصرية وأركانها السياسية والاقتصادية، بهدف إفشال الدولة المصرية وتفتيتها وتقسيمها. ولا يتسع المجال لذكر كل الدول التي تعاني من الإرهاب، لكن لا توجد أي دولة مستثناة. فحتى الدول التي لم يطلها الارهاب بعد، لا يعني ذلك أنها لن تكون مستهدفة ولن تكون في منأى عن تأثير عدم الاستقرار في المنطقة.
صحيح أن الإرهاب أصبح معولماً، وكثير من دول العالم تعاني منه، بما فيها الولايات المتحدة والدول الاوروبية؛ وأن هناك مسؤولية سياسية وأخلاقية لهذه الدول في محاربته، وعليه، لا بد من التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. إلا أن مشكلة الإرهاب في العالم العربي باتت وجودية.
العديد من الدول مهددة بالانزلاق نحو التشرذم والتفكك. ولذلك، فإن المسؤولية الأساسية في محاربة الإرهاب تقع على الدول العربية نفسها. وكما أشار جلالة الملك عبدالله الثاني مراراً، فإن الحرب على الإرهاب يجب أن تقوم به الدول العربية، ولن تستطيع أي دولة النجاح في محاربة الإرهاب وحدها. ومن ثم، أصبحت الحاجة مُلحة لبلورة مقاربة عربية جماعية تضع استراتيجية متكاملة للتصدي لهذه الظاهرة الخطرة.
ولا بد من أن تشمل المقاربة الجديدة تفسيراً للأسباب الداخلية والخارجية التي تساعد في بروز هذه الظاهرة وانتشارها، سواء كانت اقتصادية أم سياسية أم ثقافية. ولا بد من أن تقف أيضاً على مصادر تمويل هذه الحركات والأطراف الداعمة، وكذلك لا بد من السعي إلى توفير المصادر التي تضمن نجاح هذه الاستراتيجية.
الإرهاب في العالم العربي والإسلامي أصبح من أكبر التحديات التي تواجه الدولة العربية. ولأنه أصبح عابرا للحدود، فلم يعد من الممكن مواجهته من قبل أي دولة وحدها. وعليه، بل لا بد من مقاربة عربية جماعية للخروج بتصور متكامل لمحاربته. فالجهود السابقة والحالية ليست كافية، إما لأنها تقتصر على المعالجة الأمنية، أو لأن عدداً محدوداً من الدول ينخرط فيها. والتحالف الدولي تَشكّل لمحاربة "داعش" في العراق وسورية، لكن المشاركة العربية في هذا التحالف تراجعت -إلى حد كبير- ولم يبق بالطليعة عربياً سوى الأردن. وبالرغم من أهمية الدور الأردني الجوهري في محاربة الإرهاب، إلا أنه وحده لن يكفي.
لا بد من مشاركة جميع الدول العربية في هذا الجهد. وقد تكون الخطوة الأولى بهذا الاتجاه قمة عربية مخصصة لمحاربة الإرهاب.
(الغد 2015-07-02)