لا تنسوا غزة

مشهد العائلات الفلسطينية في غزة، وسكان حي الشجاعية تحديدًا، في شهر رمضان له طعم آخر، فقد استحضروا الذكريات الأليمة التي تعرضوا لها في آخر عدوان اسرائيلي بشع على قطاع غزة، والتدمير الهائل الذي أصاب حي الشجاعية بطرق مختلفة، مع تأخير إعادة الإعمار، ما يضطر العائلات للإفطار على أنقاض منازلها مع غياب أجواء رمضان.
حتى الآن لم يُعَد إعمار منزل واحد في غزة دمرته الحرب الأخيرة، لا بل هناك عائلات لا تزال تسكن المدارس من جراء الحروب السابقة، وقد شبع سكان قطاع غزة وعودًا لإعادة الاعمار ـــ لم يصلهم منها شيء ـــ تضيع للأسف في خضم الخلافات الفلسطينية الفلسطينية، والصراعات العربية العربية، والتواطؤ الدولي.
غزة التي وجهها للبحر، وظهرها كشعبها مكشوف للاحتلال وخفة القيادات وظلم ذوي القربى. يعيش أكثر من مليون ونصف المليون من البشر، لا ذنب لهم سوى أنهم ضحية خلافات فصائل لم تذق قياداتها مرارة الفقر والعوز.
في غزة أطفال محاصرون يكتبون واجباتهم المدرسية في ما تبقى من ضوء الشموع، ونساء عُدْن للعصر الحجري في طبخ الحصى لأبنائهن، لكن أين ابن الخطاب هذه الأيام؟
وحتى "الجزيرة" الفضائية التي قادت حرب غزة لم يعد مراسلوها ــ أبو شمالة والدحدوح وعكيلة ــ يظهرون في تقارير إنسانية تكشف مآسي حياة الغزيين.
غزة تتنفس بصعوبة بالغة في مختبر الحصار المفروض عليها منذ نحو ثماني سنوات، ولكنها لاتزال على قيد الحياة. والقيادات الفلسطينية تمارس هواياتها في المقاومة الصوتية من فنادق عواصم عربية، وشعب غزة يدفع بالدم فواتير الخلاف الفصائلي، وأطفال القطاع وقود الحصار مثلما كانوا يومًا وقود الانتفاضة، ينتظرون بزوغ فجر جديد، بلا دبابات الاحتلال، وبلا مراهقة بعض قيادات الفصائل، وبلا حصار ذوي القربى الأشد مضاضة.
في الأيام الماضية تلقيت حجما كبيرا من المعلومات عن أحوال أهالي غزة من أقارب حضروا من القطاع، وهي أخبار تقشعر لها الأبدان، مصدرها أشخاص ليسوا على وفاق مع حركة فتح، كما أنهم ليسوا بعيدين عن حماس، لكنهم مفجوعون بتصرفات بعض قياداتها.
تجارة مكشوفة تقوم بها قيادات في حركة حماس للاستيلاء على أراضي الدولة، خاصة أراضي المستعمرات التي انسحبت منها إسرائيل.
أدوية التبرعات التي تصل إلى القطاع من كل الجهات، تظهر بعد أيام في شوارع غزة تباع على ارصفة الطرقات، خاصة أدوية الأمراض المزمنة.
والكهرباء مشكلة المشاكل لسكان غزة، حيث ينقطع التيار الكهربائي في ساعات المساء الأولى، ليستمر مقطوعا طوال الليل حتى الساعة السادسة صباحا حسب الجدول الذي أقرته شركة الكهرباء في غزة.
لم يعد أي إنسان في غزة يتحدث عن السياسة، ولا عن المفاوضات، ولا عن المصالحة الفلسطينية، ولا حتى أيضا عن حماس التي نامت ومدّت رجليها عـ الكرسي.. "مع إنو فش كرسي أصلا".
غزة التي ينام نصف شعبها في الخيام، لم تعد في النهار تتسع لمليون ونصف المليون من البشر الذين يدوس بعضهم على أقدام بعض نتيجة ضيق المكان والهواء والحرية.
شعب غزة لا يدري ماذا يفعل، فهو يخضع لحكومة لا يعترف بها أحد، ولا تقدم له شيئا سوى خطب الجوامع وخطابات مؤتمرات احتفالية.
جريمة ما يحدث في غزة تتحملها إسرائيل أولا، والانقسام الفلسطيني والتخاذل العربي ثانيا، والتواطؤ الدولي ثالثا.. كل هذا صحيح ولا خلاف عليه في الحسبة السياسية، لكن على حكومة حماس المقالة ألا تضع رأسها في الرمال حتى لا تكون شريكة في الجريمة؟
فليس الحل بفرض رسوم وضرائب جديدة، على مالكي الأنفاق ورخص الحفر، ولا باشتراط دفع مبالغ مالية كبيرة لكل من يُقتل أثناء عمله، ليتم التكفل بعلاج من يصاب فيها.
هذا علاج لما بعد الموت.. نريد علاجا آخر للحياة، فهي أغلى ما نملك.
(العرب اليوم 2015-07-06)