طي صفحة أزمة معان

لعل معان هي المدينة الأردنية الوحيدة التي امتازت بتوتر علاقاتها مع المركز، ولفترة زمنية طويلة. وقد كاد هذا التوتر ينفجر أحياناً ليصبح أزمة سياسية، لاسيما في مرحلة "الربيع العربي". لكن منذ ما يزيد على السنتين، برزت مشكلة المطلوبين الذين رفضوا أن يسلموا أنفسهم، وكان ذلك بغطاء اجتماعي أحيانا. وبالرغم من الاتفاق بين أهالي المطلوبين ووجهاء المدينة واللجنة النيابية، فإن عملية تسليم المطلوبين لم تتم بالكامل، وعادت الأمور إلى نقطة الصفر، وعاد التوتر من جديد، وأخفقت الجهود الأمنية في حينها في إنهاء هذا الملف. لا بل إن تعثر حل ملف المطلوبين الأمنيين، حسب المحللين، كان له دور في التغييرات التي طالت وزارة الداخلية ومدراء الأجهزة الأمنية (الأمن العام والدرك).
قبل أيام، شارك وزير الداخلية سلامة حماد، أهالي معان حفل إفطار حضره عدد كبير من وجهاء وشيوخ معان وأهالي الموقوفين، وبحضور وزير الإعلام د. محمد المومني، ومدراء الأمن العام والدرك والدفاع المدني. وكانت لفتة مهمة ومؤثرة؛ إذ ساد الأجواء الود والدفء، وأشاد وزير الداخلية في كلمته بمآثر أهل معان ووطنيتهم، ومساهمتهم المهمة في بناء الأردن الحديث، وقال إنهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الأردني الواحد.
على هامش هذا اللقاء، قام آخر المطلوبين الأمنيين بتسليم نفسه، بجهود وتنسيق من وجهاء معان. وقد علمت من أحد المشاركين أن وزير الداخلية أصرّ على أن يعود الشخص المطلوب معه برفقته بالطائرة، إلى مديرية الأمن العام، وبعد ذلك تم إيداعه السجن. وقد تركت هذه الخطوة أطيب الأثر في نفوس أهله وأقاربه.
لقد شكل اللقاء أيضاً فرصة للاستماع للمطالب والقضايا التي تهم أهالي المدينة، وبخاصة تلك المتعلقة بالمطالب الاقتصادية والخدماتية.
تنطوي زيارة وزير الداخلية ومشاركته أهل معان الإفطار في هذا الشهر المبارك، على عدد من الرسائل المهمة:
أولاً: أهمية التواصل بين الحكومة والشعب، وإعادة قنوات الاتصال التي كانت في مرحلة معينة شبه مقطوعة، وتنفيذاً لتوجيهات جلالة الملك التي كانت دائماً تركز على أهمية العمل الميداني للوزراء والحكومة.
ثانياً: تناغم عمل الحكومة، وبخاصة الأجهزة الأمنية التي كانت كلها حاضرة الإفطار واللقاء، ما يؤكد أهمية العمل المؤسسي والجماعي من جانب أجهزة الدولة، ووضع حد للتنافس أحياناً الذي ينعكس سلباً على الجميع.
ثالثاً: تأكيد الروح الوطنية العالية التي تحلى ويتحلى بها أهالي معان، ورغبتهم الجامحة في إنهاء حالة التوتر السابقة واحترامهم لسيادة القانون التي حاول بعض الأطراف التشويش عليها في فترات معينة.
رابعاً: تأكيد الدولة أنه لا تهاون مع الخارجين على القانون، وأن سيادة القانون فوق كل اعتبار. وفي الوقت نفسه، ضرورة أن تتم معاملة الخارجين على القانون بإنسانية، والمحافظة على كرامتهم وحقوقهم أيضاً.
لقد تعامل الإعلام مع زيارة وزير الداخلية وتناول طعام الإفطار في معان، باعتبارهما خبرا عاديا، إذ يتم نقل العديد من الإفطارات التي تقيمها المؤسسات. لكنني أعتقد أن الإفطار في معان كان غير عادي، لأنه أعاد فتح قنوات التواصل بين الحكومة وأهالي المدينة، وتم خلاله تسليم آخر مطلوب أمني في المدينة، ما يؤذن بطي صفحة الملف الأمني الذي بقي مفتوحاً لفترة طويلة، ويؤذن بفتح صفحة جديدة بين المدينة والمركز. أما التعامل مع بقية الملفات الاقتصادية والتنموية، فهو ضمن أولويات الحكومة، ولابد من أن ننتظر النتائج.
إن نجاح وزير الداخلية في طي هذا الملف، يمكن أن يدل على أن بقية الملفات الأمنية في طريقها للحل أيضاً.
(الغد 2015-07-09)