خطبة الجمعة المقترحة : فتح مكة المكرمة دروس وعبر
المدينة نيوز - نشرت وزارة الاوقاف عناصر مقترحة لخطبة الجمعة 10/7/2015م ، والتي حملت عنوان : فتح مكة المكرمة دروس وعبر
وفيما يلي عرض لتلك المحاور :
بعنوان : قال الله تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) ) سورة الفتح .
أُثِر عن السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين أنهم كانوا يستفتحون أول ليلة من شهر رمضان المبارك بسورة الفتح ، وفي ذلك إشارة إلى أن شهر رمضان هو شهر الفتوحات ، شهر تجلى الله تعالى فيه على أمة الإسلام بأنواع من الفضل ، ففي شهر رمضان المبارك تنزل الفتح بمبعث نبي الهدى والرحمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وفيه فُتِحَتْ أبوابُ السماء بتنزل الوحي ، كما فتح الله تعالى على الأمة في شهر رمضان المبارك بليلة القدر : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) ) . وفي شهر رمضان المبارك فتح الله على الأمة بالنصر المبين في معركة بدر ويوم الفرقان . وفيه أيضا كان الفتح الأكبر لمكة المكرمة : ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) ) سورة الفتح .. حقا إن شهر رمضان المبارك شهر الفتوحات والنفحات الرحمانية تجلى بها رب العالمين على أمة الإسلام ، يختتمه الله تعالى بآخر ليلة يعتق فيها برحمته عباده الصائمين من النار ، اللهم اجعلنا في زمرتهم يا رب العالمين .
تمر بنا في شهر رمضان نسمات زكية بذكرى عظيمة تحقق فيها وعد رب العالمين لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم لما خاطبه قائلا : ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) سورة القصص (85) ، فكان العام الثامن للهجرة متوجا بالفتح الأعظم والفتح المبين.. وهكذا سنة الله تعالى فالعاقبة للمتقين ، أتذكرون يوم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة متخفيا ، فها هو يعود إليها منتصرا غانما .. وما أحوج الأمة إلى أن تعي هذه السنة الربانية في غمرة الأحداث المؤلمة وما يرافقها من حملات تريد أن تضعف من معنويات المسلمين وتزرع فيهم الخوف والجزع ، فذكرى فتح مكة المكرمة تنادي فينا معشر المؤمنين : ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ) سورة آل عمران ، فأقْبِلوا على دينكم أيها المسلمون بإيمان ووعي وحكمة وعلم وتقوى وأخلاق سامية ، وتنبهوا لمن يريد أن يغير معالم الرحمة والحلم والسماحة والوسطية والاعتدال في دين الله تعالى بما يفتريه من أباطيل ، وكونوا من المنافحين عنه الذين جاءت صفتهم في الحديث الشريف : ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ؛ ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ) .
من الملاحظ أن آيات سورة الفتح نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية في العام السادس الهجري ، وقد أصاب الصحابةَ رضي الله عنهم الحزنُ الشديدُ بمنع قريش النبيَ صلى الله عليه وسلم من دخول مكة المكرمة وأداء العمرة ، ولكن آيات سورة الفتح جاءت تؤكد أن ما تم التوصل إليه من عهد وصلح كان له فوائدَ عظيمةً ، وكان هذا الصلح توطئةً للفتح الأعظم وإزالةً للعقبات وقد جاء على غير ما كان يظنه أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين وحقق نتائج كثيرة ، حيث حيّد قريشا والتزموا بعدم الحرب لمدة عشر سنين ، وأتاح للفريقين حرية التنقل ، وتمكن المسلمون من التفرغ للدعوة إلى الله تعالى ، فكان العام السابع عام إرسال الرسل والبعوث إلى القبائل والدول . وفي هذا درسٌ عظيمٌ أن يتحلى المسلمون بالحكمة وبُعدِ النظر وأن لا يتعاملوا مع الواقع بمجرد تحقيق مصالح آنية وعلى نطاق ضيق مما قد يؤدي إلى الوقوع في الحرج ويجر على الأمة المصائبَ والفتن .
لقد تجلت في يوم الفتح الأعظم مظاهر الرحمة والسماحة وسمو الأخلاق التي يدعو لها الإسلام الحنيف ، فدخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة ولواؤه الأبيض يخفق بين يديه ، وبذلك التواضعُ العظيمُ والدمعُ المنهمرُ على وجنتيه الشريفتين وهو يردد صلوات ربي وسلامه عليه : ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81) ) سورة الإسراء ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم وحرصا منه على حقن الدماء تأكيدا على رسالة السلام التي يحملها الإسلام للناس جميعا أرسل مع أبي سفيان قراره الحكيم : " من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن " ، ثم أصدر النبي صلى الله عليه وسلم أمره لقادة الكتائب الأربعة بأن لا يقتلوا ولا يقاتلوا تعظيما لحرمة مكة المكرمة والبلد الحرام ، بل ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك حيث بلغ النبيَ صلى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة وقد كان يحمل راية الأنصار قال : اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة ، فعزله النبيُ صلى الله عليه وسلم وقال بل اليوم يوم المرحمة ، اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا ، ثم سلَّم الراية الى صحابي آخر ، ومن العجيب أن كتيبة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه كانت لا تحمل السلاح وهي الكتيبة التي دخلت بطن مكة من جهة الوادي كي تهيء الكعبة لاستقبال النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم هدر دماء بعض المشركين ممن اشتد أذاهم للمسلمين ولو تعلقوا بأستار الكعبة ، إلا أنه عليه الصلاة والسلام عفا عمن أسلم منهم وتاب إلى الله تعالى ، ومن ثمَّ تتوج الفتح الأعظم بذلك النداء الخالد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة : " اذهبوا فأنتم الطلقاء " .. وما هذا إلا للتأكيد على أن الإسلام دين الرحمة والسماحة والسلام ، يحرص على حرمات الناس وحفظ أنفسهم وحقن دمائهم ، وهو دين يرفض العنف والقتل والتنكيل والفساد ، ويأمر بالمحافظة على النفس الإنسانية باعتبارها ذات كرامة عند الله تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) سورة الإسراء (70) ، وللتأكيد على مكانة الإنسان وحرمة دمائه اعتبر أن من وجه إيذاءً لفرد واحد فكأنما آذى الناس جميعا ، قال الله تعالى : ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) سورة المائدة: (٣٢) ، وها هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يطلق ذلك الإعلان العالمي بحرمة النفس في خطبة الوداع فقال عليه الصلاة والسلام : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) رواه البخاري ومسلم . وتأكيدا على ذلك المبدأ قال صلى الله عليه وسلم : ( لقتلُ مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ) رواه النسائي ، ثم حذّر من الإعانة على هذا الباطل فقال صلى الله عليه وسلم: (من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوبٌ بين عينيه: آيس من رحمة الله ) رواه الإمام أحمد . وقد تضافرت عشرات لا بل مئات الأحاديث النبوية الشريفة التي تدعو إلى المحافظة على النفس الإنسانية وعدم تعريضها للقتل أو الأذى ، وقد جاءت أحداث الفتح الأعظم تطبيقا عمليا على هذا المبدأ الإنساني ..
الخطبة الثانية :
أخي الخطيب : تقرر تضمين الخطبة الثانية لخطبة الجمعة وبغض النظر عن موضوع الخطبة الأولى الفقرة التالية ويرجى الالتزام للأهمية :
أيها الشباب : هذا نداء وطنكم ومجتمعكم وهذه رسالة من أمتكم ، فأنتم أساس المجد والشرف وخير خلف لخير سلف، وتعيشون فترة عظيمة من عمركم لا تعوّض ، وهي فرصة ثمينة يجب اغتنامها فالأيام والعمر يمضيان سريعا ، وإن لم نشغل وقتنا بالخير شُغِل في غير منفعة ، قال نبي الهدى ورسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم : ( اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك ). أيها الآباء والأمهات ساعدوا أولادكم في أن يستفيدوا من وقتهم وأن يحققوا طموحهم وأن يبنوا مستقبلهم ، خذوا بأيديهم نحو الخير والفضيلة والمستقبل المشرق ونسأل الله تعالى لهم التوفيق والرشاد وأن يوفقهم لما فيه الخير لأمتهم وأوطانهم ، وها هي بعض مؤسسات الوطن أخذت دورها وبدأت بوضع خطة عملية تربوية تهدف إلى توجيه أبنائنا الى معاني الخير والفضيلة والاستفادة من وقتهم وتعمق فيهم الفهم الصحيح لديننا الحنيف وتأخذ بأيديهم نحو التميز والعطاء والسلوك الحسن والخلق القويم وأن يتحلوا بروح المسؤولية.