المسألة الكردية التركية

بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى 1914-1918 تقاسمت القوى الكبرى المنتصرة في الحرب وهي فرنسا وبريطانيا وروسيا اراضي الدولة العثمانية باستثناء منطقة كردية صغيرة جنوب القوقاز ومنطقة كردية صغيرة في وسط الاناضول، ومنطقة كردية صغيرة على البحر الاسود في تركيا. وكان الحلفاء الدول الثلاث الآنفة الذكر قد وعدوا الاكراد باقامة دولة مستقلة لهم في الدول التي يعيشون فيها.
بعد انتهاء الحرب مباشرة عقدت عدة اتفاقيات بين الحلفاء، منها اتفاقية "سيفر" في اب 1920 التي نصت المادة الرابعة عشرة فيها على حكم ذاتي للاكراد في جنوب شرق تركيا. وتبعا لذلك قام الاكراد في تركيا بتمرد وعصيان ضد السلطات التركية لتحقيق ذلك وتنفيذه عام 1921. غير ان الحلفاء وتركيا تنكروا لوعودهم للاكراد باقامة دولتهم المستقلة. وظل الاكراد يعيشون في ظل الدول التي هم فيها كمواطنين تبعا لكل دولة.
يعيش الاكراد في تركيا والعراق وايران وسورية. ويبلغ مجموع عددهم في هذه البلدان "25″ مليونا. ونسبة الاكراد في تركيا 20 % من عدد السكان، وفي العراق 23 % من عدد السكان، وفي ايران 10 % من عدد السكان، ونسبة الاكراد في سورية اقل منها في باقي البلدان. وهناك حوالي مليون كردي يتوزعون على دول اوروبا سيما المانيا.
معظم الاكراد – في البدايات – ريفيون مزارعون يعيشون عيشة قبلية. وكل فريق في المجتمع الكردي يتبع الزعيم الاقطاعي في منطقته على الطريقة القبلية؛ وذلك ضمن حياة رعوية بدوية.. ومع الزمن ظهر فيهم المتعلمون والمثقفون والسياسيون، وبسبب تمرداتهم المستمرة اهملت الدولة التركية مناطقهم وعملت على تخلفها واضطهادها واقصائها.
قامت الدولة التركية اثر الحرب العالمية الاولى وسقوط الامبرطورية العثمانية؛ وأسست الجمهورية التركية الحالية عام 1923، وقد اعتمدت قمع واضطهاد الاثنيات، خاصة الاكراد! الذين يبلغ عددهم 12 مليونا من عدد سكان تركيا البالغ قرابة 70 مليونا.
من اوائل المقاومين الاكراد ضد الدولة العثمانية كان الشيخ عبيد الله الكردي الذي انكر شرعية حكم السلاطين الاتراك العثمانيين,، لانهم ليسوا من نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، واعتبر ان العثمانيين وضعوا يدهم على الخلافة بطريقة غير شرعية ومع ذلك لم يكن الاكراد في الدولة العثمانية على عداء مع السلطة المركزية في اسطنبول. فقد شارك الاكراد في الحرب العثمانية الروسية 1877-1878.
بعد اعلان الجمهورية التركية 1923 قام الاكراد باول ثورة كردية كبرى عام 1925 بقيادة الشيخ سعيد الكردي وانصاره، غير ان الجيش التركي قمعهم بشدة ونكّل بهم واعدم الشيخ سعيد وانصاره شنقا في ديار بكر. وبعد فشل ثورة الشيخ سعيد هاجر الكثير من اكراد تركيا الى سورية ولبنان هربا من بطش السلطات. وتوالت الثورات والعصيانات الكردية ضد حكم مصطفى كمال اتاتورك الى ان قرر حظر استخدام اللغة الكردية في الامور الرسمية والوظائف، واعادة توزيع الانتشار الديمغرافي الكردي على امتداد تركيا، واعتماد سياسة التتريك في كل شيء.
هذه السياسة التركية القاسية تراجعت بعد اقرار التعددية الحزبية في البلاد عام 1945 وانهيار حزب الشعب الجمهوري حزب مصطفى كمال اتاتورك، الذي اتى بالعلمانية للحكم، وقاد سياسة الانكار للهوية الكردية طوال عهده في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وتوفي عام 1938.
جاءت انتخابات عام 1950 التي اوصلت الحزب الديمقراطي التركي الى السلطة بزعامة عدنان مندريس الذي انفتح على التيارات الاسلامية، وكان ذلك عاملا على تنشيط الحركات الكردية. ثم جاء انقلاب 1960 الذي انقلب على سياسة من سبقه، ونكّل باعضاء الحزب الديمقراطي ومنهم الكثير من الاكراد، واعدم رئيسه عدنان مندريس شنقا عام 1961 بتهمة الخروج على العلمانية التي اوجدها اتاتورك.
في عام 1978 اسس الشاب الجامعي عبدالله اوجلان الذي ترك دراسته الجاميعة في اسطنبول، حزب العمال الكردستاني معتمدا الكفاح المسلح للدفاع عن شعبه ضد السلطات التركية وقد بنى هذا الحزب بقيادة عبدالله اوجلان سياسته على الخط اليساري اللينيني وعلى القومية الكردية. وكانت اول عملية عسكرية له ضد السلطات التركية عام 1984.
بعد الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980 غادر عبدالله اوجلان ومجموعة من انصاره الى سورية، احتضنتهم دمشق وقدمت لهم الايواء والسلاح والتدريب. واعتبرت دمشق ذلك في عهد الرئيس حافظ الاسد، وسيلة ضغط على تركيا كي ترضخ لمشاركة مياه دجلة والفرات مع سورية والعراق. هددت انقرة سورية بمهاجمة دمشق عسكريا اذا لم تخرج عبدالله اوجلان من اراضيها؛ وكان في ذلك الوقت قد عقد الحلف العسكري بين تركيا واسرائيل.
وتخلت دمشق عن اوجلان وذهب الى كينيا، وفيها كان بحماية اليونان في بيت السفير اليوناني في نيروبي العاصمة، وبالتعاون بين الاستخبارات التركية والاسرائيلية والامريكية ومواطأة اليونان!! القي القبض على عبدالله اوجلان في شباط 1999 عند خروجه من بيت السفير اليوناني في نيروبي وكان يحمل جواز سفر يونانيا – قبرصيا. ونقل جوا الى سجن في جزيرة "ايمرالي" التركية قرب اسطنبول وحكم بالاعدام ولم ينفذ، ولا يزال في السجن رهن الاعتقال.
باعتقال اوجلان اتخذت المسألة الكردية التركية منحى جديدا. وبات الصراع الدموي التركي الكردي صراعا مفتوحا عكس ما ظنت الادارة التركية آنذاك في عهد رئيس الوزراء بولنت اجاويد بأن المسألة الكردية انتهت.
لم يكن للاكراد عبر التاريخ كيان سياسي متكامل، بل كان لهم امارات توزعت جغرافيا وسياسيا تبعا للبلدان التي يعيشون فيها، وهم يحلمون دوما ان تكون لهم دولتهم المستقلة ذات السيادة.
(العرب اليوم 2015-07-13)