إنه زمن البشرى.. فأين أهل تحقيقها؟

ما زلت اذكر قبل سبع سنوات في دورة المعارف المقدسية الاولى التي اقامها ملتقى القدس الثقافي في الأردن جهلي بأبسط بديهيات المسجد الأقصى، وكنت أظن نفسي طالبة علم مهتمة، عندما سأل الدكتور عبد الله المعروف عن المعلم ذي القبة الذهبية! اعتبرت نفسي متفوقة فأنا اعلم، على عكس ما حاولوا تعليمه وزرعه فينا ونحن اطفال بصور انتشرت في كل بيت ووسيلة اعلام، ان هذا المعلم الجميل ليس المسجد الاقصى وانما قبة الصخرة المشرفة التي بناها الامويون!
ثم جاء التحدي الثاني وظننت نفسي سأنجح نجاحا باهرا في تسمية المعلم بالقبة الرصاصية بالمسجد الاقصى واذ به ليس المسجد الاقصى حتى ظننت ان الدكتور أنه يمزح معنا او يريد ان يأتي باختراق جديد في المعلومات لم نجده في ابائنا الاولين!
في سنة اولى علوم المسجد الاقصى عرفنا ان المسجد هو كل ما دار حوله السور بمساحة ١٤٤ دونما وما المعلمان المعروفان بالقبة الذهبية والرصاصية الا جزء من مئات الاثار المباركة في القبلة الاولى للمسلمين وثالث المساجد المشرفة والمقدسة والمباركة.
في سنة اولى علوم المسجد الاقصى تعلمنا ان الحب وحده لا يحرر مسجدا ولا يعمره وانما يجب ان يكون مشفوعا بزيت يسرج في قناديله ليبقى المسجد منارة اشعاع مهما اشتدت حوله الظلمة بل ان اشتداد الظلمة هو وحده المؤذن بطلوع الفجر.
في السنة الاولى تعلمنا ايضا ان تقسيمات سايكس بيكو والقادم الاسوأ من التفتيت لا تعني شيئا في المسجد الاقصى، فالجنسية المقبولة في العمل والتقديم تُقاس بقدر الانتماء الى الفكرة والمفاضلة في التنافس، ولقد خلدت في تاريخ الاقصى والمنطقة اسماء تعالت على الجغرافيا التقسيمية التشتيتية الضيقة ووصلت بحق الى الوحدة الشعورية والعملية التي دخل فيها الكردي قبل العربي والمغربي قبل الشامي والاسود قبل الابيض.
بهذا المنطق وهذه الرؤيا لا تعود القدس والمسجد أماكن ترث محبتها بنسب او وطنا بل تصبح عقيدة في صلب الايمان ورؤية مستقبلية الى حيث سيكون اكتمال نصر الدين ومنافع فردية وجماعية في التحقق وتحقيق البركة بكل تجلياتها الدنيوية والدينية.
لقد كان لهذا الجهد المعرفي الذي لازمه اعادة توجيه الاهتمام نحو القدس والاقصى كبوصلة تجمعية للأمة اكبر الاثر في احياء القضية والاهتمام بها على المستوى العربي الاسلامي والعالمي الدولي، وحتى الاستهداف المتكرر الممنهج للمسجد وتصدي المقدسيين الاسطوري له كان له صدى ايجابي في تنبيه الغافلين عن الاقصى بجسامة التحديات وعظم الخطر، فعاد الاقصى، كما يحب ان يكون، في بؤرة اهتمامات الشعوب ومتابعاتهم ومشاريعهم وعاد للاقصى دور المسجد في امور الدين والدنيا فأصبحنا نرى الاستفتاءات الجماهيرية في ساحات المسجد على الاحداث السياسية المتغيرة في المنطقة.
كما نجح المقدسيون واخوانهم في الموازنة في تقديم صورته للعالم من زوايا المأساة والخطر ومن زوايا مختلفة تماما في الاحتفاء بالانسانية والجمال والجلال والتحدي للاثبات ان التهويد والنزاع والاقتتال هي حالات طارئة في مهد الرسالات وأرض السلام، وأن المكان موطن الحياة ومنبع الأمل وأي وضع اخر هو وضع مفروض مصطنع كالكيان المصطنع الذي حاول عبثا ان يخنق ويحصر المسجد والمدينة فحاصرته وحاصره اهلها الذين نقبوا الجدار واستطاعوا ان يظهروه.
ان الصهاينة غيروا دينهم واستصدروا فتاوى لتعجيل قدرهم المزعوم ببناء الهيكل ودخول قدس الاقداس وانزال المسيح المخلص فيما يعرف «بإجبار» يد الرب أوforcing god›s hand والمسلمون إن فقهوا سيعلمون ان الاقدار تسير بشراها بانسيابية دون جبر وعنف ليكون الوعد بآخر خلافات الاسلام وبيعة الهدى في المسجد الاقصى، وهذا لا يعني الانتظار والركون، فالقدر مفهوم ايجابي في الدين يبعث على الحركة ويستحث العمل حتى تلتقي إرادة المولى بما يجريه من فعل على يد عباده من اولي البأس.
ان الاقصى قضية عادلة رابحة بكل المقاييس ولكن كما يقول الرافعي «يا شباب العرب! إن كلمة (حقي) لا تحيا في السياسة إلا إذا وضع قائلها حياته فيها»، فالعمل المبني على الحق هو الذي ينتج التغيير وليس ركوب موجات التمني والاتكاء على انتظار الوعد الالهي، فالوعد الالهي يتحقق ببشر يعملون لانفاذه وسنن الله لا تحابي أحدا.
«ان عمر الشر في الارض المقدسة قصير اذا ما قورن بما سواها من اراض وبلاد، وقد يفسر هذا اضطراب المنطقة المستمر عبر العصور فقدسيتها تأبى عليها ان تتقبل على ظهرها الافساد» والدارس للتاريخ يتبين صدق هذا التفسير للدكتور بسام جرار حيث كانت القدس بمسجدها مجس الايمان واختباره يعطيها الله لاهل العلم والفضل وينزعها منهم بضلالهم وتحولهم عن الصراط المستقيم وهذا ما حصل مع بني اسرائيل أنفسهم في دورة تاريخ المكان.
ان البشرى تنزل مع الكرب ويتسابق اليسر ليحيط العسر ويمنعه من التمدد وأي عسر أكبر من الذي يعانيه المسجد الان وهو رهين التقسيم والتهويد؟! ولكن المفصل في النتيجة وتحديد المستقبل هو العمل ولا شيء غير ذلك، فالوعد بالنصر موجود والبشرى تلوح فوق الرؤوس ولكنها لا تتنزل الا على العاملين المجاهدين اما القاعدون والمتباكون والغاضبون فهم وقلتهم سواء!
لقد علمونا ان نبذر الحب دون انتظار النتائج، ولكنهم نسوا ان حب النصر ورؤية تحقيقة فطرة جبلها الله في البشر «واخرى تحبونها»، لقد كان سعد بن معاذ يعرف اجر الشهادة وينتظر الفوز به، ولكنه اراد ان يفرّح آخر نفس في صدره والتماعة في عينيه برؤية مصارع الظالمين فدعا ان يهدأ جرحه حتى يرى النصر على أرض الواقع ونحن على سنته نريد ان نصلي في المسجد الاقصى ولكن ليس اي صلاة وانما ركعتي الفتح ونحن من جنود تحريره بإذن الله.
لقد كان الرسول يحب الفأل ويبشر بمدائن كسرى وقيصور قيصر والناس لا يأمنون قضاء حاجتهم وما أشبه حال الزلزلة ذاك بحال بلوغ القلوب الحناجر اليوم، ولكننا نسير بسيرة مصطفانا في الاستبشار ونقول لكم: «عيدكم القادم صلاة في الاقصى محررا بإذن الله على أيديكم».
(السبيل 2015-07-16)