مستعمرة الشياطين
حين يفقد أحد ما ثقته بالأشياء والأحداث والناس والبيئة المحيطة لايعود إلا أمام خيارين، إما الإستسلام والإنحراف كما هو الحاصل مع غالب من يشتغل في الشأن السياسي والخدمي في العراق، أو أن يتخذ طريق ذات الشوكة ويصبر ويجالد ويغالب التحاديات فيغلبها، أو يضحي بنفسه، وربما بمكاسب يحصل عليها سواه بيسر ودون عناء، بعد أن تخطى حدود الممنوع والمرفوض والمحرم وإستهوته لعبة الشيطان الرجيم، فصار شريكا له في الجريمة ومبررا لها بدعاوي باطلة تارة، وبتهويمات وبتصريحات وبمغريات وبألاعيب وخدع تتعدد وتخرق كل قانون وعرف وقيمة، فالسحر الأخضر لم يعد يقاوم، والأموال حين تتكاثر بيد أحدهم يطغى، فكيف بالسياسي الذي يجمع منها ماشاء دون أن يكون لأحد رقابة عليه، وكيف إذا كانت مؤسسات الدولة ودوائرها الرقابية والعقابية تحت سيطرته وله فيها من الرجال من يغير ويبدل ويحرف ويهيئ السبيل له ليخرج منها" زي الشعرة من العجين"
منذ العام 2003 لم نكن ملتفتين الى البناء المعوج في أساس الدولة الجديدة، وكنا نكابر في سبيل المضي قدما في العملية السياسية، وكان التركيز على القشور سواء في إصدار القوانين والتشريعات، أو في بناء مؤسسات الدولة وفتح الأبواب لكل من هب ودب ليتنصب ويتحكم في شؤون الناس وهو لايجيد دورا، ولايعرف هدفا، أو غاية وهمه أن يبقى في المنصب للفترة الممكنة ليتكسب منه ويبني مؤسسة علاقات متشابكة آخر مايهمه بعدها هو بناء الدولة لأنه يركز في همومه الشخصية وغاياته التي لاتنتهي. هو يعاني من جوع أزلي لاينتهي ولاينقطع، فكانت القوانين تشرع ثم تضرب بالجزمة، وتترك على الرفوف وقد نتذكرها في أوقات الفراغ، بينما يسارع كثر الى نهب المال العام وهم مطمئنون الى سبات عميق لاينتهي لرجال القانون والنزاهة والبرلمان، ومن يلاحق ويسجن فهو في مأمن لأنه سيغادر السجن خاصة وإن الخوف غالب على المشتغلين في الرقابة ودوائر الشرطة، ولعل حالات القتل والخطف المتكررة تشير الى ضعف مؤسسة الشرطة وإن وجودها في الغالب هو لفرض هيبة الدولة في الشارع، وليس لحماية المواطن، وكم من حادث يقع على بعد أمتار من نقطة تفتيش يرفض عناصرها التدخل، حتى إن مطعما في شرق بغداد صار كالكمين بالنسبة لسواق الشاحنات الذين لايجدون من يحميهم حين يهاجمهم بعض رجال العصابات، ويسرقون أموالهم ويضربونهم ويهينونهم ويخطفون من يشاءون ويساومون عليه بآلاف الدولارات.
هذه صورة نمطية تتكرر بينما يهتم كبار قادة الدولة بمصالحهم الشخصية ويحرمون مواطنيهم من الخدمات البسيطة والعادية، وهذا من شأنه أن يفقد الناس الثقة بمستقبلهم فلايعودوا سوى باحثين عن تأمين لمستقبل موهوم غير مؤكد عدا من فضل الهجرة الى بلاد أخرى بحثا عن أمل.