عون إذ يستقوي على السنّة في لبنان

يوم الأربعاء كان الحشد الثاني للجنرال عون في ساحة الشهداء ببيروت، لكنه جاء حشدا إعلاميا أكثر منه حشدا جماهيريا بالمعنى الواقعي للكلمة، وفي المناسبة استقوى الجنرال على السنّة، مستندا إلى التحالف الإيراني الذي يراه هو المنتصر في المواجهة الراهنة، معتبرا أنه يراهن على الحصان الرابح. يحدث ذلك، كأنما أغلق الجنرال عينيه على حقيقة التطورات في المنطقة؛ إن في اليمن أو العراق أو سوريا، وربما لم يستوقفه أن وزير الخارجية الإيراني لم يعره اهتماما، بينما ذهب إلى رئيس الوزراء تمام سلام وقدم له الدعم، ليس فقط لأن المشهد يبدو متغيرا، بل أيضا لأن ظريف ومِن ورائه روحاني لا يرددان ذات المعزوفة التي يرددها المحافظون، ويحرصان على فتح آفاق للانفراج في المنطقة، وبالطبع خشية أن يضع المحافظون أيديهم على عوائد النووي الجديدة ويبددوها في مغامراتهم الخارجية بدل أن يستفيد منها الإصلاحيون في تعزيز شعبيتهم في الداخل، مع أن المحافظين يخشون مسارا كهذا يمكن أن يؤدي إلى انفجار شعبي بمرور الوقت. يستعرض الجنرال عضلاته، ويتحدث عن حقوق المسيحيين، كأنما لا يدرك القاصي والداني أنهم يأخذون في لبنان أكثر من حصتهم الديمغرافية، ولولا حاجة حزب الله إلى التحالف معهم من أجل الحصول على غطاء لمغامرته البائسة في سوريا، لكان له رأي آخر، لأن النسبة بين المسلمين والمسحيين في تعداد السكان ليست متساوية، وهي تميل بشكل واضح لصالح المسلمين. أيا يكن الأمر، فقد رضي السنّة بالهم، لكن الهمَّ لم يرض بهم. رضوا بأن يكون السلاح والقوة بيد حزب الله، وإن رفضوا ذلك بلسان المقال، ورضوا بأن يستعرض عليهم الجنرال، لكنه لم يكتف بذلك، وواصل الحديث عن المسيحيين، كأنهم أقلية مضطهدة في لبنان، ولم يمنحهم “الطائف”، وبخاصة الموارنة الذين يمثل عون جزءا منهم، أكبر من حجمهم الحقيقي في البرلمان وفي سائر المناصب. من الواضح أن الجنرال يخوض حربا ليست حربه، وهذا الصراع في المنطقة ليس صراعا ضد المسيحيين. وربيع العرب كان عنوانا للمساواة بين الجميع قبل أن تجهضه إيران في سوريا، ويكمل عليه عرب الثورة المضادة. أما الآن فقد أصبح صراعا بين أغلبية وبين أقلية تستقوي على الأقلية بقوة السلاح والمال، الأمر الذي افتضح في سوريا واليمن، وقبلهما العراق، إلى جانب لبنان الذي تعرّض فيه السنّة لإهانة كبيرة حين اجتاح حزب الله بيروت، أيار عام 2008. لم يتجاوز الجنرال عون على الحاضر وحسب، بل ذهب إلى التاريخ أيضا، حين اعتبر أنه هو من حرر لبنان من النفوذ السوري، وليس دم الحريري، مع أن الجميع يعرف الحقيقة تمام المعرفة، والمثير للسخرية أن يتحدث عن تحرير لبنان من ذلك النفوذ، بينما يقاتل جنبا إلى جنب مع وكيله الحصري في لبنان، ممثلا في حزب الله، وإن بدا أن الحزب يتحول إلى وصي على النظام السوري وكيلا عن الولي الفقيه، حتى صار بوسعه أن يوقع هدنة مع الثوار السوريين في الزبداني، وتعلن قناة النار لحظة بدايتها، بينما يتحدث مصدر أمني سوري عن عدم صحة الأنباء حولها!! ويصل الحال حد أن نسمع عن فصيل اسمه حزب الله السوري، ويحتفل الأخير في وسط دمشق بأحد قتلاه ويطلق الرصاص بكثافة في سماء المدينة، كأنما هي الضاحية الجنوبية لبيروت. من الواضح أن الجنرال يخطئ في حساباته، لكن ما ينبغي أن يقال هنا هو أن ردود تيار المستقبل تحديدا عليه لا تزال هشة، ولا تليق بالتحدي، فالحشود البائسة، ينبغي أن يرد عليها بحشود أخرى، حتى لو قيل إن حزب الله سيحشد إلى جانب حليفه، مع أن منطق عدم المواجهة ربما ينطوي على وجاهة انتظارا لمزيد من التقهقر للمشروع الإيراني. وحتى لو قيل إن ثمة مساعي تجري لإنقاذ رأس بشار، فهي لن تغير في حقيقة أن زمن آل الأسد القديم قد ولى إلى غير رجعة، ومعه زمن الغطرسة الإيرانية والحديث الممل عن السيطرة على أربع عواصم عربية.
(الدستور 2015-08-16)