خالد الكركي ... العاشق !
المدينة نيوز – خاص – كتب محرر الشؤون المحلية - إذا كان بيت الشعر العربي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
هو السبب في مقتل شاعر العرب الخالد أبي الطيب المتنبي، فان كتاب "أوراق عربية " يمثل هاجسا دائما في مسيرة الدكتور خالد الكركي، الغارق حتى شعر رأسه في أجواء قصائد أبي محسد.
بين السياسة والثقافة، مسيرة وظيفية تمتد لأكثر من ثلاثين عاما في حياة أبي رشا الذي استطاع دائما توظيف السياسي لخدمة الثقافي في مسيرة لم تكن ممهدة المسالك دائما.
أستاذ جامعي، رئيس رابطة الكتاب، نائب رئيس الوزراء وزير الثقافة، وزير الشباب، وزير الإعلام، رئيس الديوان الملكي، رئيس مجلس إدارة الرأي، رئيس جامعة جرش، ومن ثم رئيس أم الجامعات الأردنية التي يعرف طرقاتها وخباياها وقاعات درسها جيدا، حين كان طالبا فيها قبل أربعين عاما، وكثير من الوظائف والمهمات الرسمية الأخرى التي تسلمها في مسيرته الوظيفية.
خالد عبد العزيز الكركي المولود في بلدة العدنانية على أطراف مدينة الكرك عام 1946 حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كمبردج عام 1980 ليعود مدرسا في الجامعة التي تخرج منها قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات، بعد أن عمل مدرسا في وزارة التربية.
الكركي الذي يحمل اسم مدينته لقبا له، تفتّح وعيه المبكر على هتافات أبناء المدينة لعروبة فلسطين وزغردة بنادقهم تعبيرا عن الانحياز للحق العربي، فظلت هذه الأجواء تعلن عن نفسها في بيت الدكتور خالد الكركي ومواقفه ومحيطه الاجتماعي.
لا سلطة فوق سلطة العقل، هكذا يفهم الرجل وظيفته كمثقف، ووظيفته كرئيس جامعة مطالبة بخلق أجواء تفاعل ايجابية مع المجتمع، وهكذا يفهم شروط الحوار مع الآخر، المطالب باحترام العقل وتغليبه على كل العناوين.
في الحديث عن الدكتور خالد الكركي تقفز باستمرار صورة المثقف العروبي المنفتح، وتختبئ صورة السياسي مهما بلغت درجة وظيفته الرسمية، فالرجل الذي قضى دهرا من سنوات عمره قريبا من خيمة المتنبي، يعرف جيدا أن الشاعر أكثر خلودا من السلطان، وان المثقف أكثر قدرة على إدارة شؤون الحياة من السياسي، لذلك حرص على إعلاء شأن المثقف، حتى في حياته الخاصة.
قاد ثورة إدارية داخل كبرى المؤسسات الأكاديمية في الأردن وكسر جدران التابوهات التي كانت مغلقة في وجوه سابقيه، مؤكدا أن الوطن من حصة الجميع، وان القانون فوق الجميع أيضا.
رغم تسلمه مناصب سياسة رفيعة في عهد وقع فيه الأردن معاهدة وادي عربة مع إسرائيل، إلا أن خالد الكركي نأى بنفسه عن الانزلاق في متاهات السياسيين، وظل واقفا في صف المناهضين للتطبيع، حتى لو كان ذلك من باب اضعف الإيمان.
رغم انشغالاته العديدة فان الدكتور خالد الكركي يجد نفسه مسكونا بالقضايا الكبرى، فهو في خندق فلسطين المقاومة تماما مثلما هو في خندق العراق المقاوم، كما عبر عن ذلك في نصوص كثيرة من كتاباته التي تحمل لونا خاصا، لعل أبرزها كتابه المعنون "بغداد .. لا غالب إلا الله " .
أبو رشا، لا يجد حرجا في أن يراه الناس جالسا في كشك أبي علي في قاع المدينة، كما لا يجد حرجا في إقامة علاقات اجتماعية مع بسطاء الناس، فهذا الكركي اسما وانتماء لم يبدل منظومة اخلاقة التي آمن بها منذ سار في حارات العدنانية أو شوارع الكرك التي تتكلم دائما بالعربية الفصيحة.
الحاكم العسكري الذي أغلق مقر رابطة الكتاب التي كان يرأسها خالد الكركي عام 1987 هو نفسه الذي أعاد فتحها حين كان الكركي وزيرا للثقافة في زمن بدأت تهب فيه رياح الديمقراطية على وطن كبلته لعقود قوانين الأحكام العرفية.
تكاد علاقته مع الجامعة الأردنية تختلف عن علاقته مع أي مكان آخر، فقد تحولت علاقته من طالب إلى أستاذ إلى رئيس، ويحمل ترتيبه الرئيس العاشر لأقدم الجامعات الأردنية، وبين ذلك نشأت أجيال عديدة يرى فيها الكركي سلما لنهوض الوطن على أكتاف أبنائه.
من النادر أن ارتبطت صورة مثقف عربي معاصر مع رمز من رموز الثقافة العربية، مثلما ارتبطت صورة الدكتور خالد الكركي مع المتنبي الكبير، إلى درجة أن بعض المقربين من أبي رشا يؤكدون انه لا يجد حرجا في حوار أستاذه على مدار ساعات الليل والنهار.
في عام 2009 رزق ابو رشا بثلاثة ابناء توائم اطلق عليهم اسماء شهداء معركة مؤتة، جعفر وزيد وعبدالله، في اشارة الى انغماسه بتاريخ الامة وعشقها واحتفائه بهذا التاريخ على صعيد حياته الشخصية.