عندما سكرت ذات ليلة
لاتنزعج كثيرا من سلوك أصحاب المناصب والجاه، فأنت تشعر بالحنق والضيق منهم، وربما يستحوذ عليك شئ من الحقد يدفعك للمزيد من التمرد والرفض للسائد، لكنها في النهاية ليست حكرا على أحد، فالمال والجاه يسكران كما يقول علي بن أبي طالب، وهي حالة تصيب من تجده في الطريق دون إختيار وبلا تحضير مسبق، وهي عادة من عادات الدنيا الدنية التي تجود على واحد من الناس وتميد كالأرض الرملية بملايين فتغرقهم في الرمال، ويغيب كل حضور لهم.
لندخل في الموضوع، ونتحدث عن حال الناس في بلادنا العربية الذين ينزعجون لفرط مايحصل عليه السياسيون وأصحاب المناصب من منافع ومميزات لاتتوفر لغيرهم، فيكون حالهم مختلفا ويتميزون بحياة مفعمة بالنعيم الذي لايصل إليه بقية الناس، فيتهمهم الفقراء والمعوزون إنهم منعزلون لايعودوا يقتربون من معاناتهم ولايدركونها ولايفهومنها، ولايتفاعلون مع حزن العامة ومشاكلهم، وغياب الخدمات عنهم، وقلة الأموال التي يحتاجونها لتأمين أوضاعهم، وتلبية متطلبات أسرهم.
هولاء ياسادة يمكن تصوير حياة أحدهم، إنها منعمة، هناك وظيفة مهمة للغاية، السكن مختلف ويكون بعيدا عن بيوت الفقراء وأحيائهم البائسة، ويتميز إنه سكن فخم وفي حي راق من أحياء المدينة تحوطه نقاط تفتيش ويسهر عليه عناصر حماية مدربون يحملون الأسلحة، ويترقبون القادمين، ويتفحصون الوجوه، وهناك كاميرات مراقبة ترصد كل حركة وسكنة في الدرو القريبة، عائلة أحدهم تعيش حياة مختلفة عن التي عاشتها قبل تسنمه المنصب الرفيع كوزير، أو كنائب، أو كوكيل وزير
مثلا. يختلف طعامهم، ويكون فاخرا، وشرابهم كذلك، وتتنوع ماركات الثياب التي يبتاعونها من داخل البلاد وخارجها، ويملكون من السيارات الفارهة مالايملكه أحد، ويقبض الواحد منهم ملايين الدنانير والدولارات، بينما لايكفي عديد الموظفين رواتبهم البسيطة التي يحصلون عليها من الحكومة، ويمر أي واحد منهم في كل دوائر ومؤسسات الدولة، وينجزون معاملاتهم الخاصة، ومعاملات أقرباء لهم، ويحصلون على إستثمارات وعقود وتسهيلات وأموال لقاء مساعدتهم لرجل أعمال أو لصاحب شركة يبحث عن فرص ثمينة في البلاد.
لايعود المسؤول يشعر بك، هو يشرب المياه المعدنية وأنت تنتظر أن تجود عليك حنفية الدار بالماء، ولايصلك منه شئي، وقد تضطر الى شراء المياه من السيارات الحوضية وهي تنقل في العادة مياه آسنة، أو تشتري المياه من محلات بيع بأسعار عالية، وحين تنقطع عنك الكهرباء تتوفر للمسؤول مولدة عملاقة توفر له منها مايكفيه على مدار الساعة، وحين تلدغك الشمس في فروة الرأس يكون هو مع عائلته مستمتعا بأجهزة تكييف حديثة هذا إن لم يكن قد أخذهم وغادر الى بلاد أخرى للإصطياف حيث الأجواء الأكثر إمتاعا وراحة.
من أنت أيها المواطن؟ أنت لاشئ، والمسؤول لايراك، صدقني. إلا إذا سكرت ذات ليلة وتخيلت إنك مسؤول مكانه.