وطن من الماء الى الدماء!!

كنا نسميه من المحيط الى الخليج ومن جنوب السودان الى زاخو شمال العراق.. الوطن واحد والأمة اختارها الله ليبعث منها الرسل والانبياء الى البشر في كل انحاء العالم. منها خرج موسى وعيسى ومحمد ليضيئوا الكون بالايمان والتوحيد، فانتشر دين موسى من الحبشة الى روسيا الى اميركا، كذلك حمل تلامذة عيسى المسيح دينه من فلسطين الى كل اوروبا والامريكيتين وافريقيا الى ان بعث الله محمدا (صلى الله عليه وسلم) ليتم رسالة موسى وعيسى وليكون خاتم النبيين والمرسلين، يدعو الناس الى الاسلام باللين والموعظة الحسنة ولتصل دعوته من شرق شرق آسيا الى وسط اوروبا الى غرب غرب الارض والى جنوب جنوبها. بقي الوطن العربي -الذي خرجت منه ديانات التوحيد الثلاث- مركز الكون وسرة الارض وعاش فيه ابناؤه بمختلف اديانهم وانتماءاتهم موحدين ملتصقين بالارض ينظم العلاقة بينهم دين حنيف ويربطهم الدم وصلة القربى والنسب ما جعله بوتقة تنصهر فيها كل الاختلافات والخلافات فتوحد مسلموه ومسيحيوه في الدفاع عنه ضد الحملات المنسوبة للصليب ولنا في عيسى العوام الذي كان احد قادة صلاح الدين الايوبي في تحرير القدس وبطل حصار عكا، بالرغم من الجدل حول ديانته شاهدا على العلاقة بين الارض العربية والشعب الذي يعيش عليها، كما لنا في العربي المسيحي رئيس الوزراء السوري فارس الخوري الذي احتمى بإخوته المسلمين، عندما اعتلى منبر الجامع الأموي العام 1944مخاطباً المصلين:» إذا كانت فرنسا تدّعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله ... فأقبل عليه مصلو الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة في مشهد وطني مازال يتذكره السوريون والعرب. اما نحن ابناء اؤلئك الذين عاشوا اخوة في المدينة والقرية والمخيم، ابناء الارض والزيتون ولقمة الخبز المغمسة بالنقاء، فلم يكن يميز بيننا في المواطنة شيء سوى صدق المواطنة وصفاء الانتماء للامة العربية . لا عدو الا من اغتصب عروس عروبتنا ومن احتل فلسطيننا .لم يكن الخلاف يتعدى فلسطين التي نسيها المختلفون اليوم حول جنس الملائكة وايهما اولا البيضة ام الدجاجة . هل كنا بحاجة لكل هذه الدماء والاشلاء والتشرذم لنقضي على الطغاة من حكام وامراء حروب وقتلة وفاسدين؟ وهل نحن بحاجة لاستنزاف قوانا واقتصادنا واموالنا لنشتري حرية مشبوهة ثمنها تفتيت نسيجنا العربي داخل كل دولة عربية ؟ يقولون ان الثورات تحتاج الى عشرات السنوات لتعطي ثمارها ويحلو لهم ايراد مثل الثورة الفرنسية ولا يذكرون ان بريسترويكا غورباتشوف هدمت سبعين سنة من عمر الاتحاد السوفييتي دون اراقة دماء، ولا يذكرون ان ثورات دول اوروبا الشرقية حدثت -ايضا- بازاحة الانظمة الموالية للسوفييت دون ان تقتل الشعوب بعضها بل ان الثورة ضد شاوشيسكو رومانيا بدأت بمظاهرات امام القصر الجمهوري بالطناجر والملاعق تعبيرا عن الاستياء من الوضع الاقتصادي وليس بالاسلحة من الغرب وممن له مصلحة في تقسيم دول العرب . لسنا في وارد سرد تاريخي لنثبت ان الهجمة التي تتعرض لها الامة العربية الآن ليست وليدة اليوم بل ممتدة من العصور الوسطى ومن حقد الابالسة ومن علمهم العرب العلوم واضاء حياتهم التي كانت غارقة في الظلمات . وها هم في ظل ضعف العرب يستعينون بالظلاميين من داعشيين ونصرة ومن يسمون انفسهم جهاديين من العرب وغير العرب ليعيدوا تفكيك الامة وتقسيم المقسّم من الوطن العربي وليعيدوا بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الاقصى المبارك وعينهم على كنيسة المهد وعلى كل ما هو عربي كان من الماء الى الماء واصبح الآن من الماء الى الدماء!!
(الدستور 2015-08-29)