"الأردن تقاطع .. الأردن تقاوم"

"الأردن تقاطع"، فكرة وإرادة، رسالة وهدف، فعل حضاري يجسد على الأرض، موقف طرزته وحافظت عليه ورعته مجموعة من الشابات والشباب، آمنوا بأن الأردن يستطيع، وأن الأردني كإنسان له موقف، يمكن أن يعبر عنه بحضارة، وأنه لو تغيرت الظروف، ووقعت الاتفاقيات، فإن الأردني ما يزال يعرف أن هنالك غرب النهر مستعمرون يقضمون الأرض، يحتلون البلد، يقلعون الشجر، يقتلون القاضي والطفل والفتاة، ويهدمون الحجر، ويحرقون "الأقصى"، ويقسمون الحرم.
مجموعة "الأردن تقاطع" تشكلت من ناشطين وناشطات، اتفقوا على تشكيل حركة لمقاطعة الكيان الصهيوني، وسحب الاستثمارات منه، وفرض عقوبات عليه، لأنهم مؤمنون بأن المقاطعة مقاومة أيضا، وهم على صلة بحركات مقاطعة عالمية، والأهم أن الحركة لا تتبع لحزب سياسي أو تمثل أيديولوجية دينية محددة، إذ إن قيمهم كما يصفون أنفسهم هي الحرية والعدل والمساواة، ويؤمنون بضرورة تكبيد الكيان الصهيوني خسائر مالية لإضعافه اقتصاديا وتقوية الفلسطينيين والعرب.
ولأن الأردني يعرف كل ذلك، ويعرف أن وجدانه وإرثه الحضاري والفكري لا يؤمنان إلا بفلسطين بلدا، والقدس مسجدا، وبيت لحم مهدا، وعكا وطبريا وحيفا مدنا عربية، فإنه يقاطع من احتل المدن، وشرد أهلها، ويرفض أن يتعامل معه حتى لو تعامل آخرون، فالأردني يؤمن أن الصهاينة فكرا ومعتقدا ضد الإنسانية، ضد الحضارة والبشرية، والصهاينة فوق كل ذاك مغتصبون حقا ليس لهم، وهم أيضا وأيضا برفضون آخر استعمار على وجه البسيطة.
لهذا كله فإن الأردن من حقه أن يقاطع، ومن حق شبابه أن يقولوا للعالم كله وللمسؤولين لا نريد ما تسعون إليه، نحن سنقاطع، وليس هذا فحسب بل سنقيم لكم محاكمة شعبية، حول ما تريدون أن توصلونا إليه من خلال استيراد غاز من كيان محتل، وإجبارنا من دون تخييرنا على استخدام ذلك، ولهذا من حقنا محاكمتكم، لأننا لا نريد ما تفعلون! ولا يمكن لنا أن نوافق على دعم من يَحتل أرضنا، فالغاز الذي سيباع لنا مسروق من حقول غاز فلسطينية، وهو ليس من حق من سيبيعه لنا، وإنما حق لشعب تشرد بعد أن اغتصبت أرضه.
الحملة بدأت قبل فترة إبان الحديث عن تفاهمات أردنية-إسرائيلية لشراء غاز من الكيان الصهيوني، ومن ثم أخذت تأخذ طابع المقاطعة الشاملة، لكل البضائع الصهيونية القادمة من الكيان، وهي حتى اللحظة استطاعت أن تترك بصمات في كل الفعاليات التي قامت بها.
التحركات التي قامت بها المجموعة شارك فيها ناشطون من مختلف الاتجاهات، فشكلوا ما بات يعرف بالحملة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني، وكان لتحركهم أثر ايجابي في تعريف الناس بما يحدث، وتميزت تحركاتهم بالعقلانية والسلمية، ورفعت فيها شعارات تذهب بالاتجاه الذي يعبر عن وجهة نظر أصحاب الحملة، وأساسه إسقاط اتفاقية الغاز، ولهذا تطور فكر القائمين على الحملة وهم اليوم، ذاهبون باتجاه تنفيذ محاكمة شعبية لكل من له يد في صفقة الغاز مع إسرائيل.
السبت المقبل، وعند الساعة السادسة مساء في مجمع النقابات المهنية سيكون موعد المحاكمة الشعبية التي أعلن عنها القائمون على حملة إسقاط اتفاقية الغاز، وقبل ذلك سيقوم القائمون بعقد مؤتمرات صحفية لهذا الغرض مع الإشارة إلى أن ذلك يحدث للمرة الأولى، وهو تطور نوعي في طرق الرفض والتعامل مع الأحداث، وتعبير حضاري متطور.
بالمجمل، فإن حملة "الأردن تقاطع"، وإسقاط اتفاقية الغاز استطاعت أن تجد لها مكانا تحت الشمس، وأن تحشد مريدين كثرا، وعليها مواصلة عملها وتعرية كل من يدعم الصناعة الصهيونية، وكل من يستورد منهم سواء كان ذلك غازا أو خضراوات أو مواد أخرى، لأن في ذلك مقاومة حقيقية، وفعلا حضاريا سيجد مريدين كثرا له، فدعونا نرفع الصوت عاليا لنقول "الأردن تُقاطع.. الأردن تقاوِم".
(الغد 2015-08-31)