«عندهم شباب؟!»

تم نشره الخميس 03rd أيلول / سبتمبر 2015 01:40 صباحاً
«عندهم شباب؟!»
د. ديمة طارق طهبوب

«عندهم شباب؟» بهذا السؤال الغريب كانت أمي تقابلني عندما كنت أطلب منها زيارة أحد صديقاتي في بيتها، وكنت أجيب دون أن أعرف المغزى من السؤال! فإذا أعجب أمي الجواب وهو جواب وحيد بعدم وجود إخوة شباب لصديقتي أكملت أمي بقية مراحل التعارف التي ترضيها على عائلة صديقتي وأمها حتى تتفضل وتتعطف بالموافقة على زيارة لم تتعدَ في أحسن الحالات ثلاث ساعات!! وأنا صغيرة كنت أظن أن أمي تصلح لتعمل مع الشرطة أو المخابرات وكانت ستبدع في الأمر فلم يكن يفتها شاردة ولا واردة!

ما كنت أظنه تضييقا وتعسفا في الحرص من أمي علمت عند الكبر أنه جزء من مهامها كأم في المتابعة الحثيثة، ليس عن عدم ثقة، ولكن عن زيادة تأمين وادراك لمخاطر الفترات العمرية المختلفة في حياة الانسان، وما تستفزه من نزعات وطيش أحيانا! أمي ذاتها حفظها الله، التي كانت تمرمرني وتزهق روحي على زيارة صديقة، كانت تسمح ولا تسأل عندما كنت أخرج مبكرة او أعود متأخرة من الجامعة، يوم كنت عضوا في مجلس الطلبة، للآن وأنا في كنفها وكنف والدي لا تسأل أين أذهب الا بقدر الاطمئنان علي! قاعدتها وقاعدة والدي البسيطة: ازرع رقابة الله وارم في البحر؛ فمن لم يخش الله لن يخشاك ولو كنت في عبّه!

أخذت أمي يوما الى المول فعادت مغضبة من كم الفتيات الصغيرات اللواتي رأتهن يسرحن ويمرحن لوحدهن في الطرقات والمحلات، وأطلقت ذلك السؤال المتعجب المستنكر: وين أهلهم هدول؟!

ولكن: أتنفع سياسة أمي وأمهاتنا وقيم جيلنا من القرن الماضي في تربية هذا الجيل الذي انفتح على كل شيء مهما حاولنا اغلاق المنافذ عليه؟! هل ينفع الفصل التام الذي كنا نمارسه بين الذكور والاناث ونجح في زماننا بسلبيات قليلة؟! هل نستطيع التعامل مع المواضيع الحساسة والشخصية التي تشكل محور حياة الشباب الان بالتجاهل اوالتحريم اوثقافة العيب؟! هل عاد الأم والأب والاسرة هم مصادر التلقي الاهم التي يعول عليها في إصلاح ما قد يفسده المجتمع الخارجي؟! لماذا أصبح اولاد «الملتزمين» او»المتدينين» يختلفون تماما عن آباءهم ويبدون انفصالا غريبا عن ثقافتهم واخلاقهم تصل الى درجة التحدي في المخالفة؟!

في تجربة عجيبة ذات دلالات موحية تستحق الدراسة والبناء عليها قامت إحدى معلمات التربية الاسلامية بإعطاء دروس لمجموعة من الطالبات في سن المراهقة لا تتعلق بالقرآن ولا بالسيرة ولا بالفكر الاسلامي بشكل مباشر، وانما بمواضيع كالحب والعلاقة بين الجنسين والمسلسلات والاغاني، وكل ما يشغل فكر وحياة الشباب الآن ضمن إطار مضبوط في النقاش يسمح للفتيات بعرض كل ما يشغلهن دون خوف؛ ليصار الى نقاشه أدبيا واجتماعيا ودينيا لتخرج منه الفتيات بقناعة واستمتاع واقبال متزايد على الحضور! إحدى الفتيات التي كانت تحلف لوالدتها انها ستخلع الحجاب ولو في اخر يوم في حياتها احتفلت مع صديقاتها بارتدائها طواعية للجلباب، وهي أحد الامثلة الناجحة في تغيير القناعات بلغة يفهمها ويقبلها جيل الشباب لا يندرج تحت مصطلحاتها الواجب والفرض او الخوف والعاقبة! هذا جيل يريد ان يقتنع لينطلق ويتمسك ويبدع من بعد في تقديم ما يؤمن به.

وعلى المربين أن يتوصلوا الى قناعة بالمزاوجة بين أصالة المعاني التي ورثوها وبين فهم التحديات الحديثة التي تجعل من الشباب والفتوة مرحلة خطيرة لا يعبرون قنطرتها الا بفضل الله اولا، واجتهاد حقيقي من كل حلقات التربية ان تحتضنهم بحق وتتعلم ما يريدون، وتنخل الخبيث منه وتستثمر في المفيد لا ان تنظّر عليهم بما كان ويجب أن يكون!!

لقد تعجب رسول الله صل الله عليه وسلم من الشاب لا صبوة له تعظيما وادراكا لخطورة المرحلة في زمن كان أقسى انتهاكاته أن يرى أحدهم عورة امرأة عرضا او خطأً من وراء ستار، او يقبلها فيقبل على النبي وقد شعر بالذنب جبلا ينهد عليه يسأل الفتوى والتوبة والتكفير، فكيف بالامر الآن والصبوة والشهوات تعرض لشبابنا في كل طريق ومرصد، مزينة بأجمل زينة تخفي عن العين والقلب الفحشاء والمنكر؟!

أزعم ان تجربة أمي نجحت في زمانها، ولكنها الان بحاجة الى تعديل جذري يأخذ بعين البصيرة أن أولادنا مختلفون عنا تماما، والاخلاق لا تكتسب بالوراثة وانما بالتعليم والممارسة.

بعض الأسر من الجهلة أصبحوا يوجهون بناتهن الى استثمار وجود الشباب في مراحل كالجامعة والعمل لعلهن يخرجن بصيد ثمين! فكثرت التجاوزات والعلاقات والمشاكل الاجتماعية والاخلاقية الى حد غير مسبوق!

ربما لن ينفع ان نسأل بناتنا «عندهم شباب» بل يجب ان نحاول ان نربي على وجود الجنسين في حياة الاخر والتعامل مع ذلك بطهر وايجابية وحدود تجعل من فسحة المسموح والمباح مجالا للابداع والعطاء، وتشكيل نفوس سوية لا تدور في فلك غرائزها بل يسيرها عقل لا ينكر على المرء مشاعره وانما يوجهها في قنواتها الصحيحة.

اليوم نعرف ان الشباب والبنات موجودون في محيطات بعضهم البعض في ساحات القلوب وساحات واقع الحياة والمنع الاستباقي لا ينفع ويبقى التحدي، كيف نوجه هذا التواجد نحو قيم عليا من العمل والفائدة؟!

(السبيل 2015-09-03)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات