هل تجرى «انتخابات».. في لبنان؟

بعد أن سَحَبَ (أو هكذا بدا) رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري, البساط, من تحت أقدام حركات الاحتجاج اللبنانية, التي بدأت «تمرداً» على جبال النفايات التي غطت شوارع العاصمة اللبنانية, وبروز حركة «طِلْعت ريحتكن» أولاً, ثم بدأت «تتناسل» حركات اخرى, ولكن بأسماء جديدة مثل «بدنا نحاسب» و»كُلّن يعني كُلّن» وغيرها, وتوجس بعض الاحزاب من طبيعة وأهداف هذه الحركات, التي بدت وكأنها بلا قيادة أو أهداف محددة وبروز «تيارات» شبابية ذات نزعة استعلائية تفرض شروطها ولا تقبل المناقشة أو سماع الرأي الآخر-المُشارك في الاحتجاجات -, بل ترى في نفسها «قائدة» لما وصفه البعض منهم بأنه «ثورة» على النظام الطائفي القائم, دون أن يطرحوا أي بدائل أو برامج, أو يأخذوا باقتراحات زملاء لهم تدعوهم لتحديد أهدافهم وإعلان برامجهم, دون أن تطغى «العمومية» على الشعارات وتفلت الامور من يد المنظمين (الذين ليسوا على قلب رجل واحد أو هدف واحد كما يجب التنويه), كما حدث في اقتحام وزارة البيئة ثم إخراج المعتصمين بالقوة على يد قوى الامن, فإن «تظاهرة» يوم الجمعة (أول من أمس) التي نظمها التيار الوطني الحر براياته البرتقالية, قد أخذ الاوضاع المُحتقنة أصلاً في لبنان الى مُربّع آخر, وبخاصة أن الشعار الذي رفعه أنصار الجنرال ميشال عون هو: الانتخابات الان.. وحدها هي التي تُنظفنا.
فهل ثمة امكانية لاجراء انتخابات برلمانية «ورئاسية» في المدى المنظور؟
القراءة «الباردة» للمشهد اللبناني, تشي بأن «النظام القوي والدولة التافهة» على حد تعبير معارضين لما هو سائد, ما يزال مُمْسِكاً بخيوط اللعبة, فلا الذي حصل ويحصل وقد يحصل مُستقبلاً, يرتقي الى مرتبة «الثورة», اذا ما أردنا الإتكاء على التعريف الاجرائي لمفهوم «الثورة» مصطلحاً أو مقاربة, ولا لانتخابات البرلمانية وخصوصاً الرئاسية, يمكن أن تتم تحت ضغط الشارع, ما دامت الذرائع والحجج متوفرة في «أيدي» اقطاب نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية, المُمتدة منذ سبعة عقود وخصوصاً منذ ربع قرن, بعد أن دخل اتفاق الطائف حيّز التنفيذ (في بعض بنوده وليس كلها, كبند إلغاء الطائفية السياسية مثلاً, التي يعارضه معظم, إن لم نقل كل, أقطاب النظام إياه), وثمة ما يمكن التوقف عنده في دعوة رئيس مجلس النواب, هذا المجلس المُمدّد لنفسه اكثر من مرة، والمتمثلة في لقاء الاقطاب «الرئيسيين» على طاولة الحوار يوم الاربعاء القريب (9/9) دون ان تتم دعوة احد من «قادة» او ممثلي الحركات الشبابية الاحتجاجية، بل إن التيار الوطني الحر الذي يقوده الجنرال عون والشريك في حكومة تمام سلام القائمة الان، أعلن مشاركته في طاولة الحوار.. فعن اي انتخابات برلمانية أو رئاسية يتحدث ممثلو هذا التيار الذين اثبتوا، أنهم بالفعل «رقم صعب» في المعادلة اللبنانية الراهنة, وخصوصاً في تمثيله المسيحي الوازن والأغلبي، الأمر الذي يَصْعبُ على «الآخرين» تجاهله او تجاوزه او التقليل من أهمية «التهديد» الذي استبطنته كلمات رئيس التيار «الجديد» جبران باسيل الذي يشغل حقيبة الخارجية، عندما وصف ما جرى يوم اول من امس الجمعة بانه «تحماية» فيما وعد بـِ«التسونامي».. قريبا.
ليس ثمة ثورة وشيكة في لبنان, ولن يكون ملف النفايات سبباً في «تصديع» او اطاحة نظام المحاصصة الطائفية حيث سيتعاضد «الاضداد» السياسيون والطائفيون والمذهبيون عندما تتهدد مصالحهم ويعيدون الاعتبار للعبارة التي «صكّها» صائب سلام, والد رئيس الحكومة الحالي, في سبعينات القرن الماضي «التفهم والتفاهم» ويلجأون لاستنساخ مصطلح «لا غالب ولا مغلوب»، كي يواصلوا العمل بقواعد اللعبة القديمة، الى ان تتضح ملامح المشهد الاقليمي الجديد الذي يجري العمل على «تظهيره», في ظل المساعي والجهود المبذولة على الساحتين السورية والعراقية وربما اليمنية والليبية، بعد ان وصلت الأمور الى مرحلة اكثر خطورة, يصعب على اللاعبين (الاصلاء منهم والوكلاء) المضي قدماً فيها الى نهاية الشوط, وخصوصاً في ظل الأكلاف الباهظة التي بدأت تدفعها اكثر من جهة وعلى اكثر من صعيد, بشري ومالي وأمني وجيوسياسي, واحتمالات اطاحة رؤوس وقلب انظمة، إذا ما نضجت ظروف رسم الخرائط الجديدة التي لم يعد الحديث عنها مجرد توقعات او هل تحدث؟ بل «متى».. تحدث.
لبنان ما يزال بالون اختبار اقليمي, رغم انه لم يعد «المحور» او نقطة الارتكاز «الوحيدة» التي «يتجمّع أو يَجْتمع» فيها كل «عملاء» ووكلاء اجهزة الاستخبارات الاقليمية والدولية, في منطقة استُبيحت على نحو غير مسبوق.
(الرأي 2015-09-06)