تأجيل جلسة المجلس الوطني: ترحيل للأزمة أم وقفة للمراجعة؟

تبدو الامور حتى اللحظة, وكأنها ذاهبة نحو تأجيل جلسة المجلس الوطني الفلسطيني, التي قيل في البداية أنها ستكون استثنائية ثم ما لبثت, لملابسات قانونية وأخرى إجرائية, وثالثة ذات منحى بالمستوى الذي وصلت اليه العلاقات المتوترة بين اطراف السلطة ومكونات المنظمة وتركيبة المجلس الوطني, التي شاخ معظمها وبعضها تفتك به الامراض وثالث اختاره المولى الى جواره, فضلاً عن لعبة تصفية الحسابات وسنّ السكاكين, التي ميّزت مسيرة العمل الوطني ( وغير الوطني) الفلسطيني منذ ثورة العام 1936 والاضراب الشهير حتى الان.
تأجيل انعقاد المجلس الذي كان مقرراً الاسبوع القريب, أكدته اكثر من جهة كان آخرها القيادي في فتح عباس زكي, الذي دخل في حال «غَزَلٍ» مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل, بعد دعوة الاخير الى انعقاد الاطار القيادي «المؤقت» لمنظمة التحرير «فوراً» للتشاور في امر المنظمة ومختلف «همومنا وملفاتنا الوطنية», معتبراً (زكي) أن الوطن كافة في خطر كبير, ولا يمكن أن تكون هناك دولة في الضفة دون غزة أو العكس, فكل الوطن يجب أن يكون مُوحّداً. كما قال.
ولأن التأجيل بدا في لحظة ما وكأنه حبل نجاة للذين دعوا الى جلسة خلافية كهذه, كان سيترتب عليها انفلاش عقد المنظمة أو وقوع الهيئات التمثيلية الفلسطينية ( المتكلّسة وطويلة العمر أو المشلولة, كما يجب التنويه)، في مزيد من التشظي والتذرّر, فإن من المهم هنا التوقف عند مدلولات «المقاطعة» التي هددت تنظيمات رئيسية مثل الجبهة الشعبية (ذات الثقل «الثاني» والفاعل في منظمة التحرير), باللجوء اليها في حال الاصرار على المضي قدماً في عقد الجلسة, فإن ما جرى من نقاش وسجالات, بل وخلافات ظهرت الى العلن داخل صفوف حركة فتح أو قل حزب السلطة, هددت بمزيد من الانقسام داخل هذه الحركة التي لا تقل ازمتها التنظيمية والسياسية عن تلك التي تعصف بمنظمة التحرير وبسلطة اوسلو ذاتها, وخصوصاً انها على ابواب انعقاد مؤتمرها السابع (بإفتراض أنه سيُعقد, رغم كل المؤشرات التي تشي بأنه ذاهب هو الاخر الى التأجيل) فإننا نكون بالفعل أمام ازمة مزدوجة, نحسب أن الرئيس الفلسطيني لا قِبلَ له بمواجهتهما في الوقت نفسه الذي تضيق امامه هوامش المناورة السياسية، بعد ان تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وازدادت حكومة نتنياهو الفاشية صلفاً وغروراً, ومضت الى تنفيذ مشروعها الاستيطاني الاحلالي, ضاربة عرض الحائط بتهديدات رئيس السلطة الاستقالة من منصبه, الى ان خرج علينا يوفال شطاينس وزير الطاقة في حكومة نتنياهو وأحد اكثر المتطرفين الليكوديين فاشية, ليُطالب بفرض عقوبات على «رئيس السلطة»، اذا ما قام الاخير بدا بـ»إلغاء» اتفاق اوسلو, في خطابه المتوقع نهاية الشهر الحالي أمام الجمعية للأمم المتحدة، ما يعني ان اسرائيل تأخذ تهديدات الرئيس عباس على محمل الجد، إن لجهة خبر استقالته التي راجت في الآونة الاخيرة, ليس فقط من رئاسة منظمة التحرير بل رئاسة السلطة ذاتها (دع عنك رئاسة حركة فتح ايضاً) ام لجهة دفن اتفاق اوسلو الذي «وقّعه» هو شخصياً قبل 22 عاماً في مثل هذه الايام (13/ 9/ 1993).
هي أزمة «مثلثة» اذاً، تفرض نفسها على المشهد الفلسطيني ولا تُهمل امتداده العربي والاقليمي وتلحظ في الآن عينه، معنى ان لا تُشارك حركتا حماس والجهاد الاسلامي في اجتماع يكتسب اهمية « استثنائية» للمجلس الوطني الفلسطيني, الذي لم ينعقد منذ اكثر من عشرين عاماً الا مرة واحدة وفي غزة، على «شرف» الرئيس الاميركي بيل كلينتون من اجل ان يكون الأخير «شاهداً» على إلغاء بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنادي بتحرير فلسطين، كل فلسطين من النهر الى البحر، كي تصبح كادوك (لاغية بالفرنسية)، ثم وُضِعَ (المجلس) على رف الانتظار، كي يُطلبَ منه الآن، انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، علماً أنه يختلف عن ذلك الذي انعقد في غزة في عدد اعضائه وفي تركيبته بمعنى «وزنه التمثيلي» ما يعني ايضاً ان الانعقاد «بمن حضر» على ما راجت في وقت سابق، كانت ستعني انهيار آخر «سلطة» جامعة في المسيرة الفلسطينية المتعثرة الآن..
ربما يكون التأجيل (لمن اقتنع بالتأجيل) بمثابة فرصة للمراجعة وخطوة لا بد منها, لإعادة ترتيب الاولويات الفلسطينية وترميم البيت الفلسطيني الآيل للسقوط, والتأمل في أبعاد المشهد الاقليمي والحِراك الدولي المستجد (وغير البريء او المتأخر-لا فرق) إزاء ما يجري في المنطقة وخصوصاً في سوريا وانخراط فرنسا وبريطانيا وخصوصاً تركيا في «همروجة» محاربة داعش، فيما تتصاعد الحملة الغربية على روسيا وتكاد تُؤشر الى احتمال حدوث صدام «ما» في مرحلة وشيكة, بين الاساطيل والتشكيلات الجوية المقاتلة, الآخذة في الاحتشاد في البحر المتوسط واجواء المنطقة, على نحو غير مسبوق, وخصوصاً على وقع أزمة اللجوء وموجات المهاجرين التي تتدفق على البحر والسواحل الاوروبية.
(الراي 2015-09-09)