المشـروع الإيراني في ذروة التأزم

تم نشره الأحد 13 أيلول / سبتمبر 2015 01:31 صباحاً
المشـروع الإيراني في ذروة التأزم
ياسر الزعاترة

قبل عام مضى، كان أحد أبواق النظام الإيراني يظهر على قناة الميادين متحدثا بغرور عن تمدد المشروع الإيراني وسيطرته من المتوسط إلى باب المندب، وتحكمه بأربع عواصم عربية، ووصل به الحال حد وصف عبد الملك الحوثي بأنه “سيد الجزيرة العربية”، فيما كان آخرون من قادة وسياسيين يتحدثون بنفس المنطق عن نجاح مشروع تصدير الثورة، فأين يقف المشروع اليوم؟ واقع الحال أن المشروع في تلك اللحظة لم يكن في أحسن حالاته، رغم الغرور الذي انتاب قادته بعد السيطرة على اليمن من خلال الوكيل الحوثي، إذ كان مستنزفا في سوريا، ويعيش تأزما واضحا في العراق، وكذلك في لبنان، فيما كانت تلك اللغة محاولة لأخذ الناس بالصوت، وتخويف الجميع، لكن عودة إلى الوراء، إلى ما قبل الربيع العربي، وتحديدا عام 2010، ستثبت أن المشروع كان في وضع أفضل بكثير. في تلك الأثناء تمكنت إيران من تثبيت وضع حلفائها في العراق، فيما كان تنظيم “ داعش” قد تحوّل إلى تنظيم سري لا يملك غير السيارات المفخخة بعد أن ذهب العرب السنّة نحو التعويل على العملية السياسية. أما في لبنان فكان الوضع مستتبا لحزب الله، ولدى إيران تأثير كبير على القضية المركزية للأمة ممثلة في القضية الفلسطينية. أما سوريا فكانت قد أصبحت تابعة بالكامل لإيران بعد أن فتح لها الأسد (الابن) الأبواب على مصراعيها، خلافا لأبيه، وصولا إلى مساعي العبث بالهوية المذهبية للبلد، عبر تشييع قطاعات كبيرة من العلويين. وفي حين يرى البعض أن اتفاق النووي هو دليل على قوة إيران، فإن العكس هو الصحيح، إذ يعرف الجميع أن هذا الاتفاق الذي وقعت عليه كان معروضا عليها منذ سنوات، وكان ترفضه، وما دفعها إلى التوقيع عليه هي الأزمة الاقتصادية الناتجة عن النزيف في سوريا والعراق، وبعد ذلك اليمن. قلنا منذ بدء الثورة السورية، إن التاريخ سيكتب أن قرار محافظي إيران بدعم بشار الأسد ضد شعبه، سيكون أسوأ قرار اتخذوه منذ الثورة عام 79، وهو ما كان، فقد خسرت بعده إيران دورها في القضية الفلسطينية، وخسرت إلى جانب ذلك غالبية الأمة، ووضعتها في مربع عداء سافر يتقدم عند كثيرين على العداء مع المشروع الصهيوني. لكن الخطأ كان قد بدأ عمليا في العراق، إذ أعمى غرور القوة إيران عن رؤية حقيقة المشهد في البلد، فكان أن دعمت طائفية المالكي التي أفضت إلى إعادة الحاضنة الشعبية لتنظيم الدولة، فكان ما كان في الموصل وما بعدها، ما جعل العراق عبئا بعدما صار تابعا بالكامل لنفوذها، وقد كان بوسعها أن تقبل بمنح تلك الفئة (أعني العرب السنّة) ما يرضيها من دون أن يقلل ذلك كثيرا من حصة حلفائها في البلد، لكن غرور القوة قاتل. ومن دعم طائفية المالكي، ومن ثم دموية بشار ضد شعبه توالت الأخطاء الاستراتيجية، وصولا إلى الزج بأقلية طائفية في حرب مع غالبية الشعب اليمني، في تجاهل لحقائق الجغرافيا، واستخفاف بالخليج وأهله وبخاصة السعودية التي تعتبر اليمن خاصرتها الأهم، ويبدو أن غرور القوة لم يدفع قادة إيران إلى تخيل أن تقوم السعودية بما قامت به دفاعا عن مصالحها في اليمن. اليوم، دفعت إيران مشروعها النووي على مذبح النزيف الذي تعيش، وخسرت غالبية الأمة وخسرت دورها في فلسطين، فيما تعيش أزمة طاحنة في العراق لا تخطئها العين، وتراجعات كبيرة في اليمن، مع يأس من الحسم في سوريا وصولا إلى أزمة حليفها في لبنان، وهي لا تبدو قادرة في أي من الدول التي زعمت السيطرة عليها على فرض ما تريد، ولا حتى أقل مما تريد. إنه نزيف كبير، يدفعها لمطاردة حل سياسي بأي ثمن في سوريا يبقي بشار الأسد، على أمل أن يحفظ لها ذلك بعض مكتسباتها في العراق ولبنان، فيما تملك الاستعداد لدفع الحوثيين نحو تسوية ترضي السعوديين، إذا ما قبلوا مقايضة مع سوريا، لكن أي تسوية لكل الملفات المذكورة لن تعني بأي حال عودة الوضع إلى ما كان عليه الحال عام 2010، فضلا عن أن يستمر النزيف سنوات أخرى تبدد ما يجلبه اتفاق النووي من عوائد مالية، ويفرض صداما مع الشعب الذي يريد تلك العوائد لتحسين وضعه في الداخل، ومع ذلك الصدام مخاوف من تقدم أكبر للإصلاحيين يدفع المحافظين (أصحاب مشروع التوسع) إلى الوراء. هذه هي النتيجة، وتلك هي عادة الأخطاء الكبرى الناتجة عن غرور القوة، إذ لا يمكن أن تمر بدون أثمان كبيرة. ويبقى أن مزيدا من العناد لن يفضي إلا إلى مزيد من الخسائر دون جدوى.

(الدستور 2015-09-13)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات