هل اقترب موعد الصدام الأميركي الروسي؟

صحيفة نيويورك تايمز الاميركية الشهيرة والقريبة من اماكن صنع القرار في الولايات المتحدة الاميركية, إن لم نقل انها تعبّر بالفعل عن اراء النخبة السياسية والاستخبارية (دع عنك العسكرية) النافذة ازاء القضايا الداخلية وخصوصاً الخارجية, كشفت في معرض ابداء «قلقها» إزاء المستويات «الخطيرة», التي وصلت لها التعزيزات الروسيّة للنظام السوري مؤخراً, ان المسؤولين الاميركيين في «حيرة» من أمرهم تجاه النوايا الروسية غير الواضحة, مؤكدة في الآن ذاته أنهم «قلقون» للغاية, الى درجة أن جون كيري هاتف سيرغي لافروف مرتين هذا الشهر, مُحذراً نظيره الروسي من مواجهة «محتملة» مع الولايات المتحدة «اذا أدت التعزيزات العسكرية الراهنة, الى عمليات هجومية روسيّة لدعم قوات الرئيس الاسد, الى اصابة المدربين الاميركيين وحلفائهم».
الرسالة الاميركية تبدو واضحة وبغير رتوش تجميلية, لكنها تستبطن محاولة استثمار اميركي سريع في التغيير الآخذ بالتزايد والوضوح في المشهد الاقليمي وإن كانت بؤرته سوريا, ظناً منها, انها قادرة على لجم الاندفاعة الروسية أو أقله محاولة تأخيرها ودفع الكرملين الى إبداء المزيد من المرونة والحذر, قبل «التورّط» في الشأن السوري, الذي يكاد يُجمع المراقبون على أن سوريا ستكون ارض المعركة «الفاصلة» بين المُعسكرَيْن المُتمرسَيْن في خنادق متقابلة, بعد إصرار واشنطن وحلفائها، على المضي قُدماً حتى نهاية الشوط في حربهم الاجرامية على سوريا الوطن والشعب والتاريخ والدور الجيوسياسي.. فهل ثمة إمكانية بحدوث تراجع روسي, بعد تواتر الاشارات بأن قرار تصعيد الانخراط الروسي في «أزمات» المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية.. قد اتُخِذ؟
من السابق لأوانه الحديث عن جِديّة واشنطن اوباما في التحذير «الكلامي» الذي وجهته الى موسكو, بعد أن «نجحت» ادارة اوباما في تفادي الوقوع في «فخاخ» المواجهة العسكرية مع روسيا، وخصوصاً في الأزمة الاوكرانية، حيث كانت المصالح المتشابكة وتشديد الخناق على روسيا حظراً اقتصادياً ومغامرات عسكرية وتعزيزاً للاسراب الجوية المقاتلة, ومحاولة عرقلة إقامة نظام عالمي جديد، ينهض على تعددية الاقطاب والتزام الشرعية الدولية، اكثر «إغراء» مما هي عليه «الميادين» في سوريا، بعد ان استطاعت واشنطن، تعطيل كل محاولات حل الازمة السورية سياسياً، بل أخذت في الآونة الاخيرة، وبعد ان عَقَدَتْ صفقة مُريبة وغامضة مع رجب طيب اردوغان, سُمح لها بموجبها, استخدام قاعدة انجرليك لانطلاق طائراتها الحربية, حيث تزعم انها تحارب داعش، في محاولة «إنعاش» منظمات الارهاب والتفتيش عن «المُعتدلين» في صفوفهم, على ما نصحها صاحب الانتصارات المزعومة او الاب الروحي لصحوات العراق ديفيد بترايوس بذلك، ناهيك عن تبنّيها وبكلفة عالية, تدريب وتأهيل «الفرقة 30» التي انهارت قبل ان ترفع «راية الاعتدال» واندمجت في جبهة النصرة, أو هي أصلا فرع من فروعها, ولكن برعاية اميركية (ماسِيّة).
ليس سهلاً على الرئيس الذي لم يَتَبَق على انتهاء ولايته سوى ستة عشر شهراً, والذي اختار «القيادة من الخلف» في حرب الغرب الامبريالي الاطلسي على ليبيا, والذي بالكاد سجل «انتصاراً» على خصومه الجمهوريين في شأن «تمرير» اتفاق فيينا النووي مع ايران, والذي-كما سبق واشرنا-لم يقع في فخ الازمة الاوكرانية واغراءات قرع طبول الحرب مع الكرملين بعد عودة شبه جزيرة القرم الى وطنها الأم، ان يُغامر برصيده «المتواضع كما يجب التذكير» بعد ثماني سنوات من الجلوس في المكتب البيضاوي, ونيله جائزة نوبل للسلام التي مُنِحَت له بغير انجازات تذكر، وعندما حاول البحث عمّا يَسْتُر «مغامرة» لجنة نوبل لمنحه هذه الجائزة الرفيعة، فلم يجد طريقاً او وسيلة جادة لاحلال السلام في فلسطين، فصمت على «الاهانة» التي وجهها له نتنياهو اكثر من مرة، تارة في وقوفه مع منافسه الجمهوري «رومني» وطوراً في تحديه أمام الكونغرس والقاء خطاب تحريضي ضده تحت قبة الكابتول هيل, فضلاً عن ما قام به يهود الكونغرس واللوبي الشهير المؤيد لهم «ايباك» في تحريض الديمقراطيين في مجلسي الكونغرس ضد رئيسهم.
في انتظار تمرير اتفاق فيينا في الكونغرس, ومعرفة المستقبل السياسي لحليفه في «القصر الابيض» التركي رجب طيب اردوغان وبروز مؤشرات «ما» على الحروب الدموية المستعرة في ليبيا والعراق وخصوصاً اليمن، فإن اوباما وفريقه، لن يجدوا الأمور سهلة امامهم لخوض مغامرة مكلفة مع الروس على الاراضي السورية, ولا بد لهم ومن حالفهم وتَبِعَهم, من قراءة دروس التاريخ.. قريبه والبعيد، كي يُدركوا ان استمرار سياسة العربدة والاستكبار وتدمير مقدرات الشعوب ودولها, لن يُكتب لها النجاح, وليس أمامهم سوى التزام القانون الدولي والبحث عن حلول سياسية, بدل الخوض في مغامرات عسكرية لا طائل منها او انتصار.
(الرأي 2015-09-15)