في القدس

في القدس قنابل ورصاص وقتلى وجرحى وسحل، في القدس صمود وعنفوان، وعزم لا يلين، في القدس أقصى ينتهك ونساء وشباب ورجال يدافعون، في القدس محتل واستعمار يريد قضم الأرض وهتك العرض، ومن ثم تهويد المسجد والقبلة الأولى.
وفي القدس ألم، وناس متروكون وحدهم يدافعون، يرفضون، يعلون راية إيمانهم بحقهم بأن الأرض لهم، والمسجد والقيامة لهم، والمحراب لهم والمصاطب لهم، وأن ما تحت الأرض وفوقها لهم، وأن القدس كل القدس لهم.
في القدس إرهابيون يرفضون الآخر، صهاينة فاشيون نازيون متطرفون يحرقون الاطفال حتى الموت، يهدمون البيوت على ساكنيها، يقلعون الاشجار من اراضيها.
في القدس وما حولها مسعورون، يقتلون كيفما اتفق، يحرقون كيفما اتفق، يقتلون الطفل والأب والأم دفعة واحدة، يستبيحون كل مقدس، لا حرمة عندهم لأي بيت من بيوت الله، ولا ضير عندهم أن يضربوا سيدة فعلت بها السنون فعلتها، وأن يعتقلوا طفلا لم يصل إلى العقد الاول من عمره لأنه حمل حجرا!
في القدس متطرفون يرفضون الآخر، يعززون لغة الكراهية بين الناس، يلغون غيرهم ويبحثون عن سبب واحد لوجودهم ولن يجدوا ما يبحثون عنه إطلاقا.
في القدس أطفال رضعوا الصمود من حليب أمهاتهم، ونساء صامدات يدافعن عن أرضهن باستماتة، ورجال لا يخشون سجن الصهاينة النازيين، ولا قنابلهم الدامعة ولا رصاصهم المطاطي.
في القدس، شعب تركناه وحده، تركناه يدافع عن قبلتنا الأولى، عن المسرى والمعراج، وعن الحرم الإبراهيمي، والقيامة والمهد، تركناهم وحدهم هناك، يدافعون عنا وعن عقيدتنا، وذهب كل فرد فينا إلى غايته يفتت هذه الدولة ويستبيح تلك.
في القدس أم تسقط، أب يعتقل، طفل يحرق، وصبية تنثر جدائلها لتواري جثة أهلها بدموع الصمت، وتنهض من بين الألم لتجدد العزم والأمل والحرية، وترفع الراية من جديد.
سامحونا أيها الساكنون في القدس، أيها القابضون على جمر النار دون كلمة "أخ"، لن أكذب عليكم، تعلموا أن تبقوا وحدكم، تقاوموا وحدكم، تستشهدوا وحدكم، تعتقلوا وحدكم، وتدافعوا عنا وحدكم.
سامحونا، حتى عبارات التضامن وشحذ الهمم لن تسمعوها من عربكم هذه المرة، فقد نضبت عندهم العبارات وجفت من كذبهم وزيف خطاباتهم الكلمات.
سامحونا فإن العرب يا سادتي مشغولون حتى رؤوسهم بحروبهم الوهمية وصراعاتهم الطائفية والمذهبية والإثنية الدنكشوتية، ولذلك لن تسمعوا لهم صوتا، فصوت طائراتهم أعلى من صوتكم، وصوت أزيز الرصاص المصوب على بعضهم بعضا أكثر وضوحا في آذانهم من صوت رصاص الصهاينة وقنابل حقدهم التي تلقى عليكم.
سامحونا، فالعرب يا سادتي تعودوا الصمت والسكوت لأكثر من 67 عاما، فهم مغلوبون على أمرهم، يقاتلون بعضهم بعضا، يخربون بلاد بعضهم بعضا بحجج واهية وأسباب كبيت العنكبوت.
يا سادتي، هم ما يزالون يتفرجون عليكم منذ سنين من دون أن تتحرك فيهم شعرة نخوة منسية، اكتفوا بشعارات كاذبة، ووعد بجيوش لم تصل إليكم، ودبابات بلا قنابل وأسلحة بلا رصاص، وطائرات بلا ذخيرة.
لا تنتظروا من عربكم حراكا أو بيانا، فهم يرون في قاتلكم ومحتلكم أرحم من غيره، ويتعاملون مع الصهاينة سرا وعلانية، ويرسلون بعض من يصاب في عمليات تخريب هنا أو هناك للطبابة في مستشفيات كيان نهب الأرض وقتل البشر.
لا تنتظروا منهم تحركا أو معونة، ولا تنتظروا من جامعتهم موقفا وهي التي ما تزال ولأكثر من 10 سنين تعتقد أن مبادرتها قابلة للحوار، ولم ترَ أن الكيان الصهيوني أدار ظهره لها منذ يومها الأول.
أما في القدس.. فسيبقى الصمود يتجلى، والألم يتجلى، والعزيمة تتجلى، وستبقى تتجلى إرادة شعب لا يلين، وصوت سيدة تعرف أن الذل يبدأ من مغادرة الأرض فتأبى أن تذوق الذل وإن دفعتْ حياتها.
(الغد 2015-09-16)