أسئلة «المنظمة» وتساؤلاتها (2-2)

تم نشره الأربعاء 16 أيلول / سبتمبر 2015 01:15 صباحاً
أسئلة «المنظمة» وتساؤلاتها (2-2)
عريب الرنتاوي

لم تقبل حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاُ شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وقد قضت أزيد من عقدين على تأسيسها، تجادل في المسألة، تارة بدعوى “اختلاف البرامج والمنهاج”، وأخرى لغيابها عن أطرها التمثيلية ومؤسساتها القيادية، وتعين عن الحركة أن تنتظر لسنوات طوال قبل أن تبدّل من مقاربتها، وتعلن الاستعداد للانخراط في منظمة التحرير، الأمر الذي تضمنته جملة وثائق الحوار والمصالحة منذ 2005 وحتى اليوم، والتي انخرطت حماس في إنتاجها ومهرتها بتوقيعها. وطوال مرحلة “القطع” مع المنظمة، لم تألُ الحركة جهداً لتشكيل أطرٍ بديلة عنها أو موازية لها، لكن جميع هذه المحاولات، باءت بالفشل، وظلت المنظمة عصية على “الاختراق” و”التجاوز” إلى أن دخلنا في مرحلة “التساكن” بين المنظمة والحركة، حيث شهدنا إرهاصات متزايدة تدل على اهتمام حماس بأمر المنظمة ومستقبلها وتشف عن سعي دؤوب للانخراط في مؤسساتها، وبصورة تعكس حجمها الفعلي في أوساط الشعب الفلسطيني. إلى أن جاء فوز الحركة “الكاسح” في الانتخابات التشريعية في العام 2006، حينها أيقنت حماس، أن بمقدورها أن تفاوض على “حصة الأسد” في مؤسسات المنظمة، طالما أن صناديق الاقتراع في الضفة والقطاع، قد أعطتها أغلبية مريحة للغاية، ساعدها على هذا التوجه، أن الحركة تلمست حجم نفوذها في الأوساط والجاليات الفلسطينية في مناطق اللجوء والانتشار، وهو نفوذ عززه الصعود المتنامي لتيارات الإسلام السياسي في السنوات العشرين الفائتة، سواء الفلسطينية منها أم العربية، فبدا أن حماس تلعب دوراً مهيمناً في أوساط معظم الجاليات الفلسطينية. محاولات حماس الدخول إلى قلب “الممثل الوطني” ولعب دور قيادي مؤثر في أوساطه، قوبلت على الدوام، بعمليات مراوغة وصدّ من قبل قيادة فتح والسلطة والمنظمة، حيث سادت المخاوف في هذه الأوساط، من مغبة أن تمسك الحركة بتلابيب السلطة والمنظمة على حد سواء، فأصحبت المنظمة حصناً أخيراً لها، في حال سقطت ثمرة السلطة في أيدي حماس، وهي مخاوف لم تكن في محلها على أية حال، فالانقسام فرّغ نصر حماس الانتخابي من محتواه، وعزلها في قطاع غزة، من دون أن تقوى على “ترجمة” انتصارها الانتخابي، إلى ممارسة حقيقية للسلطة في شطري الوطن المحتل والمحاصر، أو كجسر للوصول إلى قيادة المنظمة. وعلى امتداد جولات الحوار ومحاولات استرداد المصالحة، بدا أن حكاية اختلاف المناهج والبرامج، لم تعد قيداً على حماس يمنعها من الدخول إلى المنظمة، خصوصاً بعد أن جنحت الحركة للقبول بـ “حل الدولتين” واقعياً، وانخراطها في مخرجات أوسلو ومؤسساتها وأطره التشريعية والمؤسسية، وظلت الخلافات الفعلية بين طرفي الانقسام، تتركز بالأساس حول الحصص والآليات والأولويات، ولم تبد الحركة اهتماماً حقيقياً بتفعيل المنظمة ودمقرطتها وإعادة هيكلتها. وهي وإن كانت تحظى بنفوذ لا شكوك حوله في معظم مناطق اللجوء والشتات الفلسطيني، إلا أن حماس جنحت لفكرة “المحاصصة” مع حركة فتح، ولم تُبد إصراراً ملحوظاً على دمقرطة وانتخاب هيئاتها وتفعيل أدوارها، ورأينا كيف أنها بدأت بدلاً عن ذلك، في حشد أسماء لـ “أنصاف وأرباع الفصائل” و”المستقلين” من المحسوبين عليها، للزج بهم في أطر المنظمة وهياكلها، بدعوى تمثيل الجميع، وتصليب الوحدة الوطنية. مشكلة حماس في علاقتها مع المنظمة، أنها تريد أن تجمع “الحسنيين”، وضع مهيمن في غزة، وتمثيل مناسب في منظمة التحرير، وهو ما بدا عصياً على القبول من قبل حركة فتح، التي لن تتردد في رفض التسليم بحصة لحماس في المنظمة، قبل أن تسترجع سيطرتها ونفوذها على مقاليد السلطة في القطاع. لتكون الخلاصة، أن فريقي الانقسام الفلسطيني، لم يبديا اهتماماً جدياً بتفعيل منظمة التحرير وتجذير علاقاتها مع الجاليات والمخيمات والانتشار الفلسطيني، بوصفها كياناً فلسطينياً جامعاً، ووطن الفلسطينيين إلى أن يتحرر وطنهم، بقدر ما كانا يتصارعان للهيمنة على “خاتم المنظمة ومكانتها” لإدامة الشرعية أو لاكتسابها، لا فرق ... فلا فتح عملت على إحياء المنظمة بحماس أو من دونها... ولا حماس، جعلت من قضية “دمقرطة” المنظمة، هاجساً يتصدر جدول أعمالها. ولقد التقى هذا التوجه المستخف بمنظمة التحرير والمتجاهل لأدوارها التاريخية، التمثيلية والتأطيرية، من قبل الفصيلين الأساسيين، مع منحى إقليمي – دولي يدفع بهذا الاتجاه، ذلك أن معظم الفاعلين في الإقليم وعلى الساحة الدولية، لم ينظر للمنظمة بكثير من الارتياح، لأنها رمز وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وعنوان الكفاح من أجل التحرير والاستقلال، ورمزاً لقضية اللاجئين وحقهم في العودة والتعويض ... لقد جرى على نحو منهجي منظم، منذ أوسلو، تجريد المنظمة من دورها، وتحويل رصيدها التاريخي المتراكم لصالح السلطة، ومع مرور السنوات، صارت السلطة وليست المنظمة، هي عنوان الشعب الفلسطيني الواقعي، بصرف النظر عن كثيرٍ من التبريرات الشكلية. خلاصة القول، أن شعوراً بالتشاؤم لا شك سيسطر على تقدير المراقب عن كثب للمشهد الفلسطيني، حيال فرص إعادة بعث وإحياء المنظمة، لا في المجلس القادم، ولا في المجلس الذي يليه، فالأطراف التي بيدها مفاتيح “الحل والعقد”، ليست مسكونة بهذا الهاجس، ولا تعتبر، لأسباب مختلفة، أن هذه المهمة يجب أن تتصدر جدول أعمالها.

(الدستور 2015-09-16)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات