وجبة «إعدامات» جديدة.. «ليبية» هذه المرة!

في الأنباء، ان سيف الاسلام القذافي وزوج «خالته» مدير الاستخبارات في عهد الأخ قائد الثورة، عبدالله السنوسي ورئيس آخر حكومة في عهد «الجماهيرية» البغدادي المحمودي، اضافة الى آخرين من مسؤولي النظام البائد، سيُعَلّقون اليوم الخميس.. على اعواد المشانق، بعد ان اتفقت الميليشيات المهيمنة على طرابلس وفي مقدمتها ميليشيا فجر ليبيا التي يسيطر عليها الاخوان المسلمون الليبيون، وميليشيات اخرى تبسط سيطرتها على اماكن مختلفة من الهضبة الافريقية (ليبيا) على تنفيذ حكم الاعدام بالرموز الأبرز من عهد معمر القذافي.
هي «عيدية» الميليشيات للشعب الليبي المنكوب، الذي ظن كثيرون انه قد تخلص بالفعل من حكم طاغية عصابي كثير الانفعال، النَزِقْ والمزاجي، ودخل في عصر ثورة جديدة، تقطع نهائياً مع ثورة الفاتح من سبتمبر التي لم تجلب له سوى البؤس والمعاناة والفقر والقمع، فاذا به يسقط في واقع أشد هوْلاً ودموية وفوضى، مما كانت عليه الحال مع ملك ملوك افريقيا، وامين القومية العربية (قبل ان يَخْلَعَ عباءتها ويكفر بالعرب.. والعروبة)، وخصوصاً بعد ان تخلى عنه «اصدقاؤه» الاطالسة الذين وعدوه بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون، فإذا بهم يتركونه لمصيره وينقسمون في تأييدهم لجموع الميليشيات ومرجعياتهما، بعد ان استقر «داعش» في سرت وبات رقماً صعباً في المعادلة الليبية المعقدة والتي تزداد تعقيداً وغموضاً وتتكاثر احتمالات انفلاش الدولة وسقوطها في «الصوملة» التي لا تعني في النهاية، سوى فتح الطريق على اجتياحات وتدخلات عسكرية خارجية قد تكون وفق مظلة مجلس الأمن، وهذا احتمال ضئيل، بعد ان تأكدت موسكو ان القرارين 1970 و1973 لم يكونا سوى غطاء وقناع للأطالسة، كي يستفردوا بليبيا ونفطها ويأخذونها رهينة لمصالحهم ويطمسوا على تواطئهم وعلاقاتهم السرية وصفقاتهم المشبوهة مع الأخ قائد الثورة، ولم تكن حماسة ساركوزي فرنسا وكاميرون بريطانيا، وقيادة اوباما الاميركي من الخلف، فضلاً عن تنكرّ بيرلسكوني ايطاليا لصديقه القذافي، سوى ترجمة لهذه المؤامرة التي لبست لبوساً اممياً، ثم ما لبثت ان انتهت اطلسية امبريالية بامتياز.
حكومة خليفة الغويل غير المعترف بها دولياً والتي تستظل براية المؤتمر الوطني العام, وترفع شعارات «فجر ليبيا» الاسلاموية, تنوي تعليق سيف الاسلام القذافي على حبل المشنقة, رغم ان محكمة «الزنتان» لم تُصدِرُ احكامها النهائية بعد، ورغم ان منظمات حقوقية ليبية ودولية وخصوصاً المحكمة الجنائية الدولية, شكّكت في نزاهة المحكمة وعدم توفيرها لأي من الاجراءات التي تكفل حقوق المتهم في محاكمة عادلة, فضلاً عن غياب الشفافية في عمل المحكمة، وأيضاً في عدم تمكن المحامين من الاطلاع على ملفات التحقيق والتهم الموجهة لسيف الاسلام, ما بالك لعبدالله السنوسي وما قيل عن «صفقة» تمت، لتسليمه بعد دفع مبلغ مالي كبير من سلطة مصطفى عبدالجليل, ما بالك بالملابسات التي احاطت بتسليم البغدادي المحمودي, وكيف سارعت حكومة حمادي الجبالي الاسلاموية (برئاسة حركة النهضة التي يرأسها راشد الغنوشي) الى تسليمه لطرابلس دون توقيع رئيس الجمهورية (دميتهم..المنصف المرزوقي) وكيف كان رد فعل هذا الرئيس الدمية، خجولاً ومُرتبكاً اقرب الى التواطؤ منه الى أي شيء آخر.
إعدام سيف الاسلام والسنوسي والمحمودي, لن يُضيف الى سجل ثوار طرابلس سوى العار, أياً كانت ارتكابات المُتّهمِين وأياً كانت مقارفاتهم بحق الليبيين طوال فترة حكم القذافي الكارثية, لأن الأصل في الاحكام هي العدالة وتوفر الاجراءات القانونية غير المشكوك في صحتها وغير المبنية على احكام مُسبقة أو التسرّع أو الطمس على الحقوق.. بل إن بقاء نجل القذافي حيّاً من عدمه, لن يُغيّر كثيراً في مسار وسيرورة الفشل الذي حصدته ثورة 17 فبراير, والتي سجّلت على نفسها الكثير من السلبيات والارتكابات المشينة, واحالت ليبيا ليس فقط الى دولة فاشلة بل الى ساحة للفوضى والبلطجة والتشبيح والنهب والسرقة والفساد, وتركتها تحت رحمة ميليشيات، لا تعرف مفهوم الثورة ولا تقيم وزناً لسيادة القانون أو حقوق الانسان، وأخضعت الشعب الليبي الى أمزجة الارهابيين والقتلة, الذين افرزوا المزيد من الميليشيات ودكاكين الثورة، وراحت تنسب لنفسها «شرف» تفجير الثورة، وبالتالي الحق في قيادتها, على النحو البائس الذي نراه في وجود حكومتين هشّتين، واحدة يقال لنا أنه مُعترف بها دولياً، وأخرى مدعومة من دول عربية معينة, تريد ان تُبقي لنفسها مكانة ودوراً في بلد مُنتهك السيادة ومُستباح.
إعدام نجل القذافي وعديله ورئيس آخر حكومة في عهده، لن تُنهي الفوضى من ليبيا، ولن تضع حداً للخلافات المستحكمة بين اطرافها ولن تنقذ ليبيا من المصير المحتوم السائرة اليه بتسارع لافت, وهو الفوضى وانهيار الدولة وتحويلها الى صومال آخر، ولكن في شمال افريقيا بل الأدق في أقرب نقطة من جنوب اوروبا، دون ان ندرك بالطبع ما الفارق اذا في وحشية اعدامات داعش وما سيرتكب بحق نجل القذافي ورموز عهده البائد.. اذا كان الاعدام هو الطريق «الوحيد».. لتحقيق العدالة؟
(الرأي 2015-09-17)