ملاحظات إضافية على مشروع قانون الانتخاب

أحسنت الحكومة صنعاً بإجرائها تعديلات على الصيغة الأولية لمشروع قانون الانتخاب قبل إرساله إلى مجلس النواب. ومن ضمن التعديلات الجوهرية التي أدخلتها الحكومة، وكان يشكل سابقا ثغرة كبيرة في القانون، إلغاء السماح لشخص واحد بالترشح كقائمة، وفرض ترشيح أعضاء "الكوتات" في قوائم فردية، وإلغاء "الكوتا" النسائية المغلقة.
أما في مجلس النواب، فقد جرت نقاشات وتعليقات هادفة وإيجابية وناضجة للقانون قبل إحالته للجنة القانونية، بما يؤشر على أنه سيتم إنضاج القانون، والعمل على إخراجه بأفضل صيغة ممكنة. وكمساهمة في إثراء النقاش، نشير إلى بعض القضايا المبهمة أو التي لم يعالجها القانون، أهمها:
أولا: غلظ القانون العقوبات المفروضة على المال السياسي، سواء كان ذلك من جانب المرشحين أو الناخبين أنفسهم. وهذا شيء إيجابي. لكن الإشكالية في استخدام المال السياسي ليست في العقوبات، وإنما في آلية ضبط الذين يستخدمون هذا المال في الانتخابات. لقد شكل المال السياسي نقطة سوداء في الانتخابات الماضية. وقد أدى ذلك إلى الدفع بأعداد ليست بسيطة إلى مجلس النواب فقط لإمكاناتهم وقدراتهم المالية، علاوة على الأثر السلبي الذي تركته هذه الممارسة على الثقافة الانتخابية والسياسية. إن إيجاد آلية شفافة لمعالجة هذا الخلل سيشكل إضافة نوعية للانتخابات، وسيؤدي لإعادة الثقة بين المواطن والعملية السياسية.
ثانياً: الإنفاق على الحملات الانتخابية كان أيضاً من المشكلات التي شابت القانون والانتخابات السابقة التي سمحت لأصحاب رؤوس الأموال بإنفاق أموال طائلة في حملاتهم الانتخابية من دون حسيب أو رقيب. وتضمين القانون لسقوف للدعاية الانتخابية هي حاجة مُلحة للجم دور المال السياسي في الانتخابات، والمساهمة في تحقيق العدالة الانتخابية بين المرشحين، ما سيترك أثراً ايجابياً على مجمل العملية.
ثالثاً: بعكس القانون السابق، فإن مشروع القانون لا يشتمل على النظام الانتخابي الذي سيصدر بنظام تقره الحكومة، ما يفسح لها المجال لتصميم نظام انتخابي بمعزل عن مجلس النواب. صحيح أن هناك تخوفاً من استغلال بعض النواب وتوجيههم النظام لخدمة مصالحهم، إلا أن ذلك ليس مبرراً كافياً لاستثناء مجلس النواب من هذه العملية.
رابعاً: إن ثقة المواطنين بنزاهة العملية الانتخابية ضعيفة بسبب الممارسات السابقة، وأحد أهم السبل لاستعادة ثقة المواطنين هو إشراك القضاة في الإشراف على العملية الانتخابية. قد يقول البعض إنه لا يوجد عدد كافٍ من القضاة، وهذا صحيح، لكن يمكن للقضاة أن يترأسوا اللجان الانتخابية الرئيسة في المحافظات والدوائر الانتخابية، بما يعزز من ثقة المواطن ويضمن نزاهة العملية الانتخابية، ويحميها من التأثيرات الاجتماعية.
خامساً: تنص الفقرة "ج" من المادة 47 من مشروع القانون على أنه إذا تساوت نسبة الأصوات بين قائمتين أو بين مرشحين اثنين أو أكثر، فيجري رئيس اللجنة قرعة بينهما. واحتمالية حدوث ذلك قد تكون مستبعدة، لكن القرعة ليست حلاً ديمقراطياً لهذه المشكلة، والأصل هو أن تتم إعادة الانتخابات بين المتساوين بالأصوات حتى يعطى حق للناخب بالمفاضلة، وعدم تركها للحظ أو الصدفة.
سادساً: لم يحدد القانون وقتاً محدداً لإعلان نتائج الانتخابات، وهذه ثغرة يجب تلافيها. إذ إنه، واستناداً للتعديلات الدستورية التي أتاحت الفرصة للطعن بنتائج الانتخابات أمام القضاة، فالأجدر أن يتم تحديد فترة زمنية للطعون، وأخرى لإعلان النتائج، وألاّ يتم ترك الأمر معوماً.
سابعاً: نصت المادة 64 من المشروع على أن تسقط الجرائم الانتخابية بعد ثلاث سنوات، والأصل ألاّ تسقط الجرائم مع مرور الزمن. وإن كان لا بد من ذلك، فلم لا تكون المدة أربع سنوات بدلاً من ثلاث؟
لا شك في أن مشروع قانون الانتخاب يشكل حاله متقدمة بإقراره مبدأ القوائم على مستوى المحافظة، وأنه استطاع، وبشكل فجائي، أن يحرك المياه الساكنة في الحياة السياسية التي لم تستطع أن تحركها القوانين الأخرى. لذلك، فلا بد من النظر للقانون بإيجابية، والاستفادة من الأجواء وحالة الرضى عن هذا القانون. وذلك بأن يقوم البرلمان بإجراء حوارات معمقة، وبخاصة حول البنود الإشكالية، بهدف تجويد القانون، وبما يؤسس لثقافة سياسية جديدة في البلاد.
(الغد 2015-09-17)