السلطات العربية تتوافق مع السياسات اليهودية

تم نشره الجمعة 18 أيلول / سبتمبر 2015 01:23 صباحاً
السلطات العربية تتوافق مع السياسات اليهودية
د. مصطفى يوسف اللداوي

كثيرةٌ هي القواسم المشتركة التي تلتقي عليها السلطات والحكومات العربية مع السياسات اليهودية القديمة والجديدة، ٌرغم أنهم يتبجحون ويبدون غير ذلك، ويتظاهرون بأنهم أعداءٌ وخصوم، والحروب بينهم مستعرة، والقتال بينهم ضاري، ولا لقاء بينهم ولا اتفاق، ولا أمن يوحدهم ولا سلام يجمعهم، وأن التوافق بينهم صعبٌ أو مستحيل، أو هو ضربٌ من الخيال أو محاولةٌ للتشويه، إذ كيف يجتمع النقيضان ويلتقي الضدان، وهم عبر التاريخ وعلى مر الزمان أضدادٌ متعارضة، ونقائض متنازعة، لا يصدقون بعضهم، ولا يأمنون أو يركنون في علاقاتهم لغير القوة والإعداد، أو هكذا يقولون.

لكن الحقيقة التي لا شك فيها هي غير ذلك تماماً، وهي التي يدركها العارفون، ويعلمها الخبراء والمختصون، الذين يطلعون على بواطن الأمور ويعرفون جوهر الأشياء، ولا تخفى عليهم المظاهر ولا تخدعهم الأشكال، فهم يعلمون يقيناً أن بين السلطات العربية والسياسات الإسرائيلية مصالحٌ مشتركة، ومنافعٌ متبادلة، يقفون عندها، ويحافظون عليها، ويدافعون عنها، ولا يفرطون فيها، فهي عماد وجودهم، وأساس بقائهم، وضمان أمنهم، وميزان استقرارهم.

لعل اتفاقيات السلام الموقعة بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني تكشف عن الكثير من القواسم المشتركة، والمصالح المتبادلة، وتفضح عمليات التنسيق الأمني بينهم، وترفع السرية عن الكثير من العمليات الأمنية المنسقة، التي تخدم أمن الفريقين وتضر بمصالح ومستقبل الشعب والأمة، علماً أن التنسيق الذي تفرضه اتفاقيات السلام، يتجاوز القضايا الأمنية، ليشمل الملفات السياسية، والمشاريع الاقتصادية، والبرامج العلمية والتربوية، والمناهج التعليمية والمساقات الدينية، وغيرها من المشاريع التي من شأنها القضاء على جذوة العداء، وخلق أجواء من التفاهم والتطبيع والمصالح المشتركة بين الطرفين، وهي في الغالب العام ضد الشعوب العربية، ولكنها لصالح الكيان الإسرائيلي ومستوطنيه فقط.

سأكتفي من بين القواسم المشتركة التي تجمع بينهم، باستعراض الشعار اليهودي القديم، الذي ما زال سياسةً إسرائيلية، ومنهجية استراتيجية لا تتغير، إذ ما زالوا يرفعون شعار "أرضٌ أكثر وسكانٌ أقل"، وهو ما عملوا على تطبيقه عبر سنواتٍ طويلة، منذ التأسيس حتى أيامنا هذه، فهم يعملون للسيطرة على أكبر مساحاتٍ ممكنة من الأرض، فتراهم يخططون للاستيلاء على المزيد من الأراضي، وطرد أكبر عددٍ ممكنٍ من السكان العرب، أو إخلائهم كلياً من مناطقهم، ليحل مكانهم مستوطنون يهود، وافدون ومهاجرون جدد، أو من المتدينين المتطرفين، الذين يؤمنون بطرد العرب والحلول مكانهم، اعتقاداً منهم أن هذه الأرض هي التي اقتطعها الرب لهم، ومنحهم إياها دون غيرهم من الخلق، وجعلهم شعبه المختار، وأبناءه وأحباءه المصطفين الأخيار.

الإسرائيليون يدركون أن الإنسان هو الذي يعمر الأرض، وهو الذي يمنحها الهوية، ويكسبها الصفات الباقية السائدة، وهو الذي يميزها عن غيرها، ويجعل منها وطناً بدل أن تكون تراباً وحجراً وشجراً، ولهذا فهم يحرصون على أن يسكنوا "الأرض المباركة"، وأن يعيشوا ويعمروا فيها، وأن يتركوا فيها آثارهم، فهي الدالة عليهم، والمعبرة عنهم، في الوقت الذي يغيب الإنسان العربي الفلسطيني، وتنقطع آثاره، وتغيب شواهده، فلا يعود له في الأرض مكان، ولا يبقى له فيها ما يربطه أو يشده إليها.

أما في الجانب الآخر، وعلى امتداد الوطن العربي كله، فإن الحكومات والسلطات العربية الحاكمة، تسعى لأن تستكمل السياسات الصهيونية، وأن تكمل المخططات التي بدأوها، وأن تشرف على ما يضمن نجاح خططهم، فهي أولاً تضيق على الفلسطيني الساكن في أرضه، والقابض على حقه، وتحاربه في رزقه وقوته، وتحرمه من مستقبله وحياته، لتجبره على الهجرة والرحيل، والنزوح عن الوطن والبحث عن لجوءٍ جديدٍ وشتاتٍ آخر، بحثاً عن رزقٍ ومسكنٍ، وعيشٍ كريمٍ ومأمنٍ، وهويةٍ وكرامةٍ، وبعضاً من الحرية والاستقلالية الفردية المحروم منها.

كما تسعى السلطات العربية إلى تهجير أبنائها، وطرد سكانها، وترحيلهم من ديارهم، واقتلاعهم من أرضهم، ولا يهمها ما يلحق بهم من ذلٍ وهوانٍ، وضيقٍ وحرمان، طالما أنها تتخلص منهم، وترمي بهم خلف الحدود لئلا يشكلوا عليها عبئاً، أو يكونوا لها معارضة، أو ينحازوا إلى خصومها، فيعرضون استقرارها للاضطراب والفوضى، وحكمها للزوال والسقوط، علماً أنها بأفعالها من حيث تدري تخدم العدو الإسرائيلي، الذي يهمه أيضاً أن يخلو الجوار من العرب، وأن يرحل من على حدوده حراس الأوطان وسكان البلاد، فهم يقلقونه ويخيفونه، ويستعدون لمواجهته ويتمنون قتاله، ولا يحبون له البقاء، ولا يأملون له الاستقرار.

أليس في هذا توافق وقحٌ بين السلطات العربية والسياسات الإسرائيلية، وتنسيقٌ قبيح بينهما وتبادلٌ مهينٌ للأدوار، فكلاهما يريد أرضاً بلا سكان، وأوطاناً بلا شعوبها الأصلية، أو يريد فيها عبيداً مخصيين للخدمة لا أكثر، لا يعرفون الثورة ولا العصيان، ولا يتقنون إلا الصر والحلب ورعي الغنم، ليسهل عليهم تغيير شكلها، وطمس هويتها، واستبدال ثقافتها، وتعديل ديمغرافيتها، والتلاعب في طوائفها ومذاهبها، ويسهل عليهم بعد ذلك حكم البلاد، والسيطرة على مقاليد الحكم والاستقرار، دون خوفٍ من انقلابٍ أو خشيةٍ من ثورةٍ أو انتفاضةٍ تقلب الأوضاع، وتعيد إلى البلاد موازينها الأصلية، وهوياتها الشرعية الموروثة.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات