عمالة أم رق معاصر؟!

لا يكفي أنهم لا يجنون ثمرة تعبهم طوال مواسم هزيلة في القطاع الزراعي، فيختطفه بسهولة ويسر سماسرة في السوق، ليواجه العاملون في الزراعة ظروفا رديئة، تجعلهم أقرب إلى حال الرقيق منها إلى حال العاملين المشمولين بالقانون والرعاية.
ولا يكفي أيضا أن الحدود سدت في وجه منتجاتهم بسبب الحروب المحيطة بِنا، فيعاقب العامل والمزارع بالاستمرار في عمل لا يحقق أدنى شروط الكرامة الإنسانية.
يشكو الكل من ثقل الحالة الجوية، وتراهم يكدون لنحو 12 ساعة تحت شمس الأغوار الحارقة. وتعبهم هذا لا يؤهلهم، وفق ما هو جار، للحصول على راتب يقترب من الحد الأدنى للأجور، والبالغ 190 دينارا شهريا. كما يتعرضون لخطر التعامل مع الأسمدة والمواد الكيماوية، من دون أن يتوفر لهم أدنى مقومات وشروط الحماية أو السلامة العامة أو التأمين الصحي، ناهيك عن أن نقلهم يتم بوسائل بدائية وبسيارات تحمل المواد الكيماوية. ويصاب بعضهم بحروق وأمراض جلدية، ويضطرون للتعايش معها من دون أن يلتفت أحد إلى هذه الصعوبات.
مشهد عمال الزراعة هذا أقرب إلى الرّق منه إلى العمالة. والحالة لا تقل بؤسا بالنسبة لنحو 90 ألفا من العمال الوافدين الذين ينشطون في القطاع الزراعي، بلا أي حماية قانونية أو اجتماعية أو صحية عموما. بل إن ثمة عصابات تتاجر بهم ضمن جرائم الاتجار بالبشر التي أوردها تقرير المرصد العمالي الأردني الذي أعده مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية.
تقرير "المرصد" الذي نشر الأسبوع الماضي، يسلط الضوء على هذه المعاناة المنسية والمهملة. وعلى نقابة العاملين والعاملات في الزراعة، التي أشهرت قبل أيام، أن تبدأ جهدا دؤوبا لا محاباة فيه من أجل رفع المعاناة عن هذه الفئة المحرومة من أبنائنا في عموم أنحاء المملكة، وفي وادي الأردن على وجه الخصوص. إذ شكلت معاناة العاملين في الأغوار نقطة سوداء في تاريخ الحقوق العمالية في البلاد، وفقا لما آلت إليه الأمور في السنوات الأخيرة.
إذ يساء إلى آلاف النسوة، كما يساء إلى الرجال وحتى الأطفال في هذا الواقع العمالي القاسي. وبسبب هجرة الرجال لهذا العمل غير المجدي، فإن لجوء النساء إلى الانخراط في الزراعة لمقاومة الفقر المتفشي في بيوتهن، يتم تحت الظروف الصعبة ذاتها، ضمن مشهد ظالم لا يرحم أحدا.
يبدو أنها مشكلة أولويات، ويبدو الكل تقريبا متواطئا ضد الفئات المحرومة؛ فأين وزارتا العمل والزراعة من كل هذا المشهد؟ وأين الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي؟ وأين الحكومة والإعلام وباقي مؤسسات المجتمع المدني؟ أم سنكتفي بالاحتفال بعيد العمال في الأول من أيار (مايو) عبر خطابات وبروتوكولات لا تقدم للعاملين شيئا في واقعهم المرير؟!
ولعل هذه المعاناة الاستثنائية، بكل ما فيها من غياب تشريعي وهزال رقابي، تفتح بابا واسعا على ضرورة تضمين حقوق العاملين بالزراعة في القوانين التي تعنى بالحقوق العمالية، وأن تتحرك اللجان والفرق الرقابية سريعا لتعزز حضورها ومسؤوليتها تجاه العمال، من خلال جولات وعمليات تفتيش على الأرض، وأن يكون ضمن أولوية القطاعين العام والخاص رفع هذه المظالم قبل الأول من أيار (مايو) المقبل. والوقت يتسع لهذه الأولوية، إن صدقت النوايا.
(الغد 2015-09-19)