الطّاقة السَّلبيَّة وَ عَدْواها!

سمعت و قرأت كثيرا عمّا يسمى الطاقة السلبية في حياتنا و علاقاتنا الاجتماعية وكنت أتصور أن هناك قدراً كبيرا من الوَهْم والاسقاط النفسي في هذه المسألة، ثم قررت أن أجرب و أرصد هذه الحالات رغم التكلفة النفسية والعصبية الباهظة لهذه التجارب وبالفعل احسست بأن هناك من النماذج البشرية من يغذي ارادتك ويجترح لك آفاقا مقابل نماذج أخرى تفرغك من الانفعال والتفاعل والحيوية، وكأن لديها ما يشبه «الشفاط» الذي يُصيبك بالفزع من حالة الفراغ و بطالة الذّهن، مما يذكرنا بما قيل عن التبَسيط الاجتماعي والشعبي للنظرية النسبية، وهو أن هناك من تجلس معه ساعة و تمر كما لو أنها دقيقة، مقابل آخر تجلس معه دقيقة فتمط أرجلها كما يقول الشاعر خليل حاوي و تتحول الى دهر، وهو ايضا ما رسمه سلفادور سالي من ساعات ممطوطة ومتدلية كالشّراشف. بالطبع لا نعرف لقاحا نتقي به هذه العدوى ولا بد أن ندفع ثمن كل تجربة نمرّ بها لأن الانسان لا يتعلم الا من كيسه كما يقال! وحين نسمع العبارة التقليدية القائلة ان الناس معادن، منهم النفيس و الرّخيص وما يصدأ وما يبقى مُضاداً لكل عوامل التَّعرْية لا نشعر بأن العبارة دقيقة ، فالناس لا يولدون ذهبا ونحاساً وحديداً وقصديراً، بل يصبحون كذلك بفضل تربويات واعداء وثقافة والأدق هو ان الناس ايقاعات منها السلحفائي البطيء ومنها الرشيق ومنها ما هو اشبه بمايسترو يقود سيمفونية ومنها العازف المنفرد. ومنها البيانو ومنها الرّبابة. خلاصة الأمر أن حكاية الطاقة السلبية و عدواها ليست وَهْماً، وفي أحد المساءات عدت الى البيت اشبه بالموبايل الذي يحتاج الى شحن ولم استطع القراءة أو الكتابة الا بعد ساعات، وهذا بعكس ما يحدث عندما تكون الايقاعات مُتناغمة ولعبة التِّنس متكافئة، ومن قالوا صاحب المسعد تسعد لم يقصدوا المال أو الجاه كما تصور البعض، بل قصدوا العقل والانسجام مع النفس والطاقة الايجابية. ان من يضطر الى أن يرقص التانغو مع نفسه عليه ألاّ يستمع الى أية موسيقى غير تلك التي ترشح من مسامات جسده وروحه معاً !
(الدستور 2015-09-21)