نتنياهو والأقصى والظرف المناسب والمحير في آن

يعيش الكيان الصهيوني ظرفا استثنائيا منذ أربع سنوات، وللدقة، فهو يعيش في راحة استثنائية منذ 11 عاما، تحديدا منذ تسلم محمود عباس قيادة السلطة والمنظمة وحركة فتح، ثم لم يمض وقت طويل حتى تورطت حماس في دخول انتخابات أوسلو ثم الحسم العسكري، ليغدو الوضع أفضل من زاوية الاحتلال، رغم حروب كان للحركة فيها أداءً رائعا، حيث انشغلت بمشاكل القطاع، وتمت استباحتها في الضفة الغربية، بينما يتفنن عباس في التعاون الأمني وتقديم وضع أمني غير مسبوق للمحتلين. لا شك أن الربيع العربي قد طرح مخاوف كبيرة على الكيان الصهيوني، لكن عباس تمكن من تجاوز اشتعال جذوته بمنع الفلسطينيين من الثورة، فيما جاء إجهاض الربيع في مصر ليعيد الارتياح إلى المشهد من زاوية النظر الصهيونية. أما المحطة التي منحت الكيان الصهيوني الهدية الكبرى، فهي السورية، وحيث أفضى الجنون الإيراني هنا إلى استنزاف جميع أعداء الكيان الصهيوني، ودمّر سوريا وربيع العرب في آن. من الناحية النظرية يمكن القول، إن هذا الحريق المشتعل في المنطقة يمثل الفرصة الكبرى للكيان الصهيوني لحسم مسألة المسجد الأقصى التي كانت ولا تزال العقبة الكبرى أمام أي تسوية، وهي التي أفشلت مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، وهي ذاتها التي أفشلت مفاوضات عباس مع أولمرت، ويمكن أن تفشل أية تسوية مقبلة، مع العلم أن الحل الإبداعي الذي خرج به شارون كان مريحا بالنسبة للكيان، ومضى به عباس ممثلا في الحل الانتقالي بعيد المدى، وحيث جرى تثبيت سلطة تحت الاحتلال، فيما يبقى الكلام عن المفاوضات قائما دون أن يفسد للود والتعاون الأمني قضية!! الأقصى يمثل حالة إجماع في الكيان الصهيوني، من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار، ولا بد من تثبيت الحق فيه، وهنا يتحرك نتنياهو بإيقاع جيد منذ شهور طويلة من أجل تثبيت التقسيم الزماني والمكاني للمسجد. على أن ما يواجهه هو هذا الإصرار من قبل المرابطين والشعب الفلسطيني على التصدي لمخططاته، وهنا لا يجد غير تشديد العقوبات على الناس على أمل أن يكفوا عن الدفاع عنه، وصولا إلى تكريس ما يريد دون تداعيات كبيرة، لكن مدد الرفض والتصدي لا يتوقف. واقع الحال أنه لولا هذا الإصرار من قبل المرابطين والشعب الفلسطيني لصارت المهمة سهلة جدا، ولما كان لسياح عباس أن يفعلوا شيئا سواء جاؤوا أم تخلفوا، فما يمنع نتنياهو عمليا ليس فقط المرابطين، إذ بوسعه قمعهم بسهولة، ولكنه الخوف من تداعيات ذلك، ممثلا في تفجير انتفاضة مثل انتفاضة الأقصى. هنا يدرك نتنياهو أن شيئا كهذا سيعيد ترتيب أوراق المنطقة من جديد، وسيعيد البوصلة العربية والإسلامية إلى الصراع مع الكيان الصهيوني، وهو الذي اختل بهذا الحريق الذي أشعلته إيران في المنطقة، ولذلك لا يكف العالم عن تنبيه نتنياهو لهذه القضية، ومن ضمنهم العرب، لكنه ليس بحاجة إلى من ينبهه، فهو يعرف الحقيقة جيدا. ولما كان الأمر كذلك، فإنه بمفهوم المخالفة يعني أن لا حل لتيه القضية الفلسطينية إلا بتفجير اتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية، أما الذي لا يقل أهمية، فيتمثل في أن انتفاضة كهذه قد تعيد ترتيب أوراق المنطقة برمتها من جديد باتجاه تصويب البوصلة نحو الصراع مع العدو الأكبر للأمة، والذي حرفته إيران بجنونها التوسعي، ومعها أنظمة اعتبرت أولويتها هي ضرب آمال الشعوب في الحرية والتحرر.
(الدستور 2015-09-22)