القانون على الطاولة

منذ يوم أمس دخلت "قانونية النواب" بماراثون حوار وطني، مع كل الأطياف حول مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي أرسلته الحكومة لمجلس النواب، وبات في عهدة اللجنة القانونية.

فتح حوار وطني مع مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب ورؤساء حكومات من شأنه تجويد مخرجات القانون، وترك مساحات أوسع للإصلاح، الذي من شأنه أن ينعكس إيجابا على كافة مناحي الحياة السياسية، وعلى تركيبة مجلس النواب المقبلة، الأمر الذي يمهد بالتالي للوصول إلى حكومات برلمانية حقيقية، تؤسس لمرحلة ديمقراطية حقيقية وليست شكلية أو ديكورية لا أثر لها.

أعتقد أن الجميع مطالب بالمشاركة في الحوار حول القانون، وأن يدلي كل طرف برأيه، بعيدا عن المواقف المسبقة، والشد والشد المقابل، ووضع مصلحة الوطن بكل مكوناته ضمن الرؤى، التي تحكم وجهات النظر، حول مشروع القانون.

قد يكون في مشروع القانون مواد تحتاج لحوار حولها، وتوقف عندها، ومناقشتها بأبعادها المختلفة، بما يسمح بتجويد المخرج، وإضافة وجهات نظر تؤمن الانتقال لمرحلة إصلاح حقيقية مكتملة.

اليوم باب الحوار مفتوح على مصراعيه، والجميع مطلوب منه أن يقول كلمته حوله، فيما يتعين على مجلس النواب ولجنته القانونية إجراء حوار جاد منتج حقيقي، وليس حوارا شكليا على قاعدة "قل كلمتك وامش"، حوار يتم بموجبه أخذ وجهات النظر في الميزان، والتعامل معها بجدية وواقعية وليس عبر مواقف مسبقة.

الكرة اليوم في مجلس النواب، والعيون ترقب ما سينتجه المجلس، من حوار جامع حول القانون، الذي يعتبر تاج القوانين وعمود الإصلاح الأساسي، فهذا القانون في حال تم إخراجه بشكل جيد، سيعيدنا لسكة الإصلاح الحقيقية، التي ستنتج عنها مجالس نيابية، همها الوطن، وليس همها الحكومات، ومراكز القوى المختلفة.

هناك كلام كثير يمكن أن يقال حول مواد مشروع القانون، ولكن الأهم والذي أعتقد أن الجميع يتوجب عليهم الإجماع عليه، هو الخروج من منطقة "الصوت الواحد"، لمناطق أوسع وأشمل، وفيما بعد، يمكن الحديث عن توزيع الدوائر الانتخابية، ولو كان يتوجب أن يكون ذلك عبر نظام منفصل، أو ضمن مواد مشروع القانون، وكذلك الحديث عن وجود عتبة تصويتية لحساب الأصوات وطريقة احتسابها.

هناك الكثير الذي يمكن أن يقال لتجويد ما جاءت به الحكومة، ولكن الأهم هو عدم الدخول في مناكفات حوله، ووضع عراقيل أمام طريقه، والدخول في مراحل شد وجذب حوله، من شأنها تقزيم الفكرة، وإعادتها إلى مربع الصوت الواحد.

ما يدفعنا لإثارة هذا التخوف، ما جرى في تجارب سابقة، تم خلالها عرقلة فكرة الحوار الوطني، وعرقلة فكرة الأجندة الوطنية، وغيرها من الأفكار الإصلاحية، التي لم تجد لها حواضن، تدافع عنها، فباتت أثرا بعد عين.

اليوم، لا نريد لمشروع قانون الانتخاب الجديد أن يدخل في متاهة الاصطفافات الفئوية، وصراعات الصالونات السياسية التي ساهمت في أوقات سابقة في تعطيل مسيرة الإصلاح لسنوات طويلة، فتلك المتاهة كفيلة بتجميد ما جاء به مشروع القانون، من قفزات إصلاحية يمكن البناء عليها وتجويدها.

نحن في بداية انطلاق الحوار الوطني حول القانون، ويقع على عاتق صاحب الحوار وراعيه (مجلس النواب) إثبات أن الحوار المفتوح حقيقي ومنتج، ويمكن الأخذ بما سيأتي به من افكار، وليس حوارا شكليا لا هدف له، كما يتطلب من جميع أطراف الدولة العمل على إثبات أن الحوار حقيقي يمكن أن يؤخذ به.

نأمل أن يكون حوارنا، الذي انطلق، مختلفا عن حوارات سابقة، وأن تؤخذ نتائجه في الحسبان، وأن لا يوضع على رف التهميش.

(الغد 2015-10-05)